ولد في لبنان (1965)، لأبٍ سوريٍّ حمويّ وأمٍّ لبنانية، انتقلت عائلته إلى سورية عام 1975، ثم درس هندسة الميكانيك في حلب، ودرس الموسيقا على يد الأستاذ نديم درويش، وأمير البزق محمد عبد الكريم، ثم على عند العراقي الراحل منير بشير في جامعة نور الحسين بالأردن، اشتغلَ في الموسيقا التصويرية منذ برنامج الأطفال الشهير "افتح يا سمسم"، ثم مع الدراما السورية من سنة 1996 حتى اليوم، إذ كان يُنفّذُ المقاطعَ المكتوبة لآلة العود، الآلة التي تشكل جزءاً حميماً من خصوصيتنا كسوريين مثل الورد الجوري...
"مدونة الموسيقا" كانت في استضافة الأستاذ حسين السبسبي وكان هذا الحوار...
يكمل السبسبي حكايته لنا، ويقول: "كما حصلت على شهادة فخرية من جامعة سيبيليوس أكاديمي في فنلندا، وعملت فرقة "الفارابي الدمشقية" نفذنا مع الدكتور سعد الله آغا القلعة موسيقا مشروع "طريق الحرير" الذي جمع موسيقيين من 22 دولة واقعة على طريق الحرير التاريخي، وكانت آخر حفلة لهذه الفرقة الدمشقية في السنة الماضية من تنظيم الأمانة السورية للتنمية وإشراف المايسترو طاهر مامللي في مهرجان الموشح، في قصر العظم بدمشق".
زيارتنا للأستاذ السبسبي تزامنت مع احتفالية "إدراج صناعة العود و العزف عليه" على قائمة التراث الإنساني لليونيسكو، نسأله ما الذي يعنيه له ذلك؟ يجيب: "إن إدراج العود على لائحة التراث الإنساني لليونيسكو مبعث فرحٍ لي كموسيقي، لأنه يُذّكر الناس أن العود موجود عندنا منذ 4000 سنة، وأن ما نصنعه هو شيء متجذر فينا مثل الياسمين الشامي والوردة الجورية والسيف الدمشقي...ولا يزال، وأننا جزء من هذا التراث العالمي المعجون بالجمال والذي يعني كل العالم.. وفيما يخص الملف، فقد تواصلتْ معي الأمانة السورية للتنمية منذ 2018، وأنا أشرفت بشكل غير مباشر على ما جمعوه من معلومات، وأخبرتهم إلى مَن يتوجهون مِن الصنّاع في سورية...".
عَن تَارِيخِ العُودِ
"...الأكاديون هم أقدم أقوام أوجدت العود -يروي لنا السبسبي لمحة تاريخية عن أصل العود- وهذا ما استطعنا أن نصل إليه عِبر التنقيبات الأثرية فيما بين النهرين (دجلة والفرات) وهناك لقى أثرية في قرية سورية اسمها "كلكميش" تدل على وجود آلة العود بشكلها القديم... بالتالي نحن نتشارك مع أهل العراق وإيران بوجود هذه الآلة من دون تعصب قومي لصالح أحد. فالرومان مثلاً كانوا ممتدين على بقعة جغرافية كبيرة جداً لدرجة أنك إذا دققت في مدرجات بصرى وتونس في الحمامات وفي صفاقس وفي الأردن في جرش تجدها ذات بصمة واحدة... كذلك الأكاديون والبابليون والسومريون كانوا ممتدين على كامل سورية، وبالتالي إن آلة العود كموروث حضاري متجذرة في منطقتنا بما يستدعي "اعترافاً عالمياً" بأنها من إرثنا الحضاري الحيّ حتى اللحظة".
أَثَرُ ذَلِكَ عَلَى مِهنَةِ صِنَاعَةِ العُودِ
نستفسر منه عن المعاناة التي واجهتها مهنة صناعة الأعواد في سورية، يجيب الأستاذ السبسبي بحسرة واضحة: "كلُّ شيء في سورية تعرض للخطر والضرر بسبب الحرب، تصور أننا نضطر كصانعي أعواد إلى استيراد الغراء أو لواصق جديدة من اختراعات علمية عالمية غير موجودة لدينا لكنها تفيدنا في تطوير مهنتنا، وحتى بعض الأخشاب مثل الأرز! وبالتالي خلقت الحرب صعوبات في موضوع الاستيراد بالعملة الصعبة، وبعض الشركات تُبلغنا بأنها غير مسؤولة عن فقدان شحنات الخشب المرسلة إلينا، وكثير منها ضاع فعلاً وخسرنا ملايين الليرات، بل وحصل معي شخصياً أنني تعرضت للنصب من شركات وهمية دفعنا لها مبالغ خيالية ثم تبين أنها شركة غير مسجلة في بلد المنشأ... وهكذا ضاعت الشحنة!... ومن معاناتنا أننا في حال صنعنا نموذجاً خاصاً (موديل محدد للعود) ليس لدينا آلية توثيق أو شهادة صناعة تُثبت أحقيتنا فيه، إذ يمكن لصانعٍ آخر أن يقلد النموذج الذي ابتكرناه وينسخ مثله مئة قطعة/آلة ويبيعها على اعتبارها من صناعته... ليس لدينا من نلجأ إليه لمساعدتنا في موضوع الحصول على متطلبات الصَنعة!"
العودُ الدمشقيّ!
يُحكى عن عود عراقي وعود مصري وعود دمشقي...ما الذي تعنيه هذه العبارة فعلاً ولماذا ترك العود السوري هذا الصدى الطيب في العالم؟
يلفت السبسبي نظرنا إلى أن "العود الدمشقي أو بدقة أكثر العود السوري ميزته متأتيةٌ من ميزة ومهارة الصنّاع السوريين.. خذ مثلاً عائلة النحات، فقد صنعوا آلات أقرب إلى معجزة لن تتكرر عند أي صنّاع آخرين، لأنهم كانوا يعتمدون على العمل بمزاج عالٍ ولأيام طويلة يشتغلون على عود واحد.. وليس فقط ميزة العود السوري تكمن في الشكل الذي وصلنا إليه حالياً لأننا فعلياً نشترك فيه مع الوطن العربي كله، ومع تركيا وإيران واليونان.. لكن بالنسبة لي الخصوصية هي في الذاكرة، المنمنمات المتعلقة بالبلد هنا مثل التقاليد الخاصة بنا، مثل اللغة العربية الفصحى واللهجات.. الذاكرة أيضاً هي كل ما سمعه العازف والصانع من موسيقا هذا البلد وفي قلبه وذاكرته، هكذا يصبح صوت العود السوري في قلب العازف السوري استحضاراً لكامل مخزونه الفكري والثقافي والاجتماعي والديني والموسيقي منذ الفارابي، وصولاً إلى عمر البطش الحلبي وأبي خليل القباني الدمشقي".
اللَّحَظَاتُ الوِجدَانِيَّةُ الأَجمَل
أسأله أن يحكي لي عن أجمل اللحظات التي عاشها في حياته، يقول الأستاذ السبسبي المميز بتاريخه العريق: "أنا محظوظ أنّي تتلمذت على يد العمالقة الذين ذكرتُهم، لقد كان لمحمد عبد الكريم/أمير البزق مثلاً تكنيكٌ فريد جداً، يعزفُ جملةً موسيقية بطريقة إعجازية (السهل الممتنع) ولا يستطيع أحدٌ تقليدها لأنها نابعة من قلبه ولم يتعلمها من معهد ولا من نوتة ولا استجلبها من أحد... كان لي نصيبٌ قدريٌّ لا يتكرر أنني تدربت وعشت لحظات لا تنسى مع أولئك العظماء".