في محيط يهتم بالفن والموسيقا عاش العازف "إبراهيم كدر" فنشأ متأثراً بعزف والده على العود، وبسماع أعلام الغناء العربي كـ "أم كلثوم" و"محمد عبد الوهاب" وغيرهم، كذلك تأثر بأجواء الكورالات والتراتيل الكنسية، ما ساهم في تنمية الحس الموسيقي لديه ولم يكن حينئذٍ يتجاوز الحادية عشرة من عمره.
بَينَ المَوهِبَةِ وَالأَكَادِيمِيَّةِ
يقول عازف الناي "إبراهيم كدر" في حديثه لـ"مدونة الموسيقا": «تأثرت في بداياتي بأحد أقاربي وهو فنان حمص المشهور "سمير عماري"، ومن خلاله عرفت عازف الناي في فرقته فتولد لديّ شعور غريب تجاه هذه الآلة، فبدأت بتلقي دروس العزف عليها بشكل مبدئي على يد العازف "خلوق الوفائي"، ثم اتجهت إلى دمشق لأبدأ بالتحضير لدخول المعهد العالي للموسيقا، كان ذلك على يد الأستاذ "مسلم رحال" والذي عمل على إعدادي أكاديمياً للدخول إلى المعهد».
ويرى العازف "كدر" أن الموهبة وحدها غير كافية لصنع موسيقي لامع، فالموسيقا هي مشروع وخطوات متتالية لا يمكن فيها للموسيقي أن يقفز متجاوزاً المراحل، وهنا يبرز دور الدراسة الأكاديمية لصقل هذه الموهبة واجتياز الخطوات نحو الهدف خطوة بخطوة.
النَّايُ وَعَازِفُهُ
يبيّن العازف "كدر" أن الناي كآلة شرقية لم تدخلها أي تعديلات، حيث حافظت على شكلها منذ أن تمّ اكتشافها، وهي كغيرها من الآلات الشرقية تتميز بدقتها التي توجب على العازف أن يتمتع بأذن موسيقية نقية، وأن يركز النفخ بزاوية محددة ليعطي الأثر المطلوب.
وللناي أدوار مهمة يقول عنها: «لهذه الآلة دورها كمرافق للغناء، وهي آلة العزف المنفرد والجماعي، وآلة التقاسيم، كما لها دور كبير فيما نسميه "التخت الشرقي"، ومع الأوركسترا الكبيرة، وأعتقد أن الناي يشكل العمود الأساسي للموسيقا الشرقية، بالإضافة إلى أنه يمتلك الصوت الأقرب للصوت الإنساني».
أما عازف الناي بالنسبة لـ "كدر" فيتوجب عليه أن يتمتع بأذن موسيقية نقية ودقيقة، وأن يمتلك القدرة على وضع كل مقطوعة ضمن إطارها الزمني والتاريخي والثقافي وحتى السياسي، وأن يكون على دراية تامة بقصة المقطوعة وكيفية كتابتها وظروفها، كذلك عليه أن يتمتع بثقافة موسيقية عامة، وثقافة تختص بآلة الناي على وجه الخصوص، بالإضافة إلى تحليه بالهدوء النفسي وسرعة البديهة، والمعرفة التامة بالصوت الذي يرافق العزف ومن هم عازفو الفرقة التي يعزف فيها.
ويعتبر "كدر" أن العزف يساهم في تفريغ طاقات العازف وتكوين أحاسيسه، وهي ملجأ حقيقي له، ويرى أن متعة العزف والوقوف على المسرح لا تعادلها متعة في الحياة، كما أن الموسيقا من وجهة نظره تهذب شخصية العازف وتضبط إيقاعه الحياتي، وهي علم دقيق ومعقد، لذلك لا بدّ لكل موسيقي أن يتسم بالدقة والاهتمام بالتفاصيل من مختلف الزوايا.
مُشَارَكَاتٌ لَهَا أَثَرٌ
بالنسبة للعازف "إبراهيم كدر" فإن كل واحدة من مشاركاته كانت بالنسبة له تشكل تجربة متفردة، وجميعها تحمل قيماً وذكريات وتأثيراً إيجابياً في رحلته الموسيقية، يقول: «كثيرة هي مشاركاتي سواء المحلية مع أوركسترا الموسيقا العربية السابقة والحالية، حيث عزفت معهم ما يقارب 15 عاماً، كذلك لي مع الأوركسترا السيمفونية عدة مرات وكانت من أجمل المشاركات، ولدي مشاركات بجولات عربية وعالمية، ومشروع مع الفرقة البريطانية "كوريلاس"، ومعها شاركت بتسجيل ألبوم "السلام بين الشرق والغرب"، وخضت جولات عالمية، هذا بالإضافة إلى ورشات العمل المتنوعة، ومرافقتي في العزف مع فنانين كبار منهم "وديع الصافي" و"زياد الرحباني" و"ليندا بيطار" وغيرهم».
يذكر أن العازف "إبراهيم كدر" من مواليد عام 1982 خريج المعهد العالي للموسيقا، حيث عمل مدرساً فيه منذ العام 2008 حتى أواخر عام 2019 كما عمل مدرساً في كلية التربية الموسيقية منذ عام 2008 ولمدة ثلاث سنوات، وفي مجال الدروس الخصوصية على آلة الناي كانت له تجربة طويلة مع مختلف الفئات العمرية.
وللعازف "كدر" مشروعان من تأليف أ."محمد عثمان"، الأول يُعتبر تجربة جديدة لآلة الناي، يهدف من خلاله أن يصبح الناي كأي آلة أوركسترالية عالمية، يمكن من خلاله العزف المنفرد بدرجات عالية من الصعوبة والتكنيك، والمشروع الثاني "مهاجر" يتحدث من خلاله عن الحرب على سورية وقضية الهجرة عبر البحر ومأساتها.
وحالياً يخوض "كدر" تجربة جديدة من خلال عمله كمدرس لآلة الناي في أكاديمية الموسيقا في "قطر"، خطوة يعتبرها مهمة جداً في اكتساب خبرات جديدة، لا سيما من خلال الاحتكاك بعازفين من جنسيات مختلفة، ولديه في هذا رسالة يعمل على إيصالها مفادها أن "سورية" ولّادة المواهب يصقل موسيقيوها المواهب العالمية في بلدان عربية، كما يسعى "كدر" من خلال عزفه إلى إيصال الحضارة السورية إلى شتى أنحاء العالم، ذلك من خلال مشاركاته حالياً مع أوركسترا "قطر" التي تضم عازفين من أماكن مختلفة من العالم، الأمر الذي يقول إنه تمكن من خلاله العازف السوري أن يلمع كنجم في الأوركسترا العالمية.