الموسيقا بالنسبة لها عالمها الأجمل فهي الملاذ الأكثر أماناً وسط ما تعيشه الروح من شتات، وهي الطريق الأمثل للتوازن ولفرحٍ هو غاية كل نفس بشرية. كرست موهبتها بتدريس الموسيقا وخصوصاً لذوي الاحتياجات الخاصة في جمعية "أطفال المحبة"، "مدونة الموسيقا" تواصلت مع الموسيقية "روان الجندي" لتحدثنا عن تجربتها الموسيقية.
حيث قالت: «بدأت علاقتي مع الموسيقا منذ الصغر، فقد نشأت في كنف أسرة تهتم بالموسيقا، فأنا وإخوتي نعزف على مختلف الآلات الموسيقية، انتسبت إلى المعهد المتوسط للموسيقا، بعد تخرجي عملت كمدرسة للموسيقا، إضافة إلى العمل في تدريب فرق موسيقية تابعة لمنظمة الشبيبة، افتحت معهد "Harmony Music" في "طرطوس" لتعليم الموسيقا درست فيه آلة العود مع عدد من المختصين بهذا المجال».
مَع ذَوِي الاِحتِيَاجَاتِ الخَاصَّةِ
بدأتُ كمتطوعة بجمعية "أطفال المحبة" منذ عام تقريباً -تكمل الجندي حكايتها- لتعليم أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فكان من بين الطلاب مكفوفون وحالات متلازمة داون وتوحّد وتخلف عقلي.. نماذج كانت بمثابة تحد لي لإنجاز عمل إنساني تجاه هذه الفئات التي تحتاج منّا المساعدة في تنمية مواهبهم واحتياجاتهم، فبدأت بالبحث عن طرق بالاطلاع على تجارب الآخرين بهذا المجال، وخصوصاً أن الموسيقا تلعب دوراً مهماً وإيجابياً في حياة الطفل المعوق، فالتربية الموسيقية يمكن أن تكون المفتاح إلى صحة عقلية أفضل فهي تستخدم في تحسين السلوك التوافقي لدى هؤلاء الأطفال، ويعتبر العلاج بها هو ذلك الاستخدام التخطيطي للوصول إلى الأهداف العلاجية المنشودة مع الأطفال الذين ترجع إعاقتهم في الأساس إلى العديد من المشكلات العقلية أو العضوية أو الاجتماعية أو الانفعالية، حيث يتضمن العلاج في حد ذاته حدوث تغيرات معينة في السلوك، ودمجهم اجتماعياً بعمل جماعي يساهم في تفاعلهم بشكل إيجابي مع الآخرين، وتستخدم الموسيقا أيضاً كوسيلة لتعديل السلوك وتعلم المهارات الأساسية كالاستماع واللغة والحركة وتركيز الانتباه وحجب الأمور المشتتة للذهن، والمساعدة على إخراج الحروف والتحكم في العضلات، وتشجيع الاتصال بالغير، وللموسيقا أهمية كبيرة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تساعده في التنمية الشاملة له ولها تأثير إيجابي ومباشر على سلوكه وتقدم له فرصاً عديدة لتكوين علاقات اجتماعية من خلال الغناء، هذا بالإضافة إلى أنها تفيده في تعلم بعض العادات والسلوكيات والقيم الإيجابية المختلفة، وتكسِب أنشطة الموسيقا الجماعية الأطفال مهارات جيدة في المشاركة والتعاون، كما أن هذه التجربة أضافت الكثير لحياتي فأنا أشعر بالمتعة والفرح فعالمهم الجميل والصغير الذي يأسرني ببساطته وغناه في الوقت نفسه، فالتعامل معهم يشعرني بالسعادة الغامرة لصدق مشاعرهم وحبهم.. أنا أشعر بالامتنان لهم لأنهم يهدون قلبي فرحاً أعظم بكثير مما أهديه لهم.
رَأيُ مُختَصٍّ
وفي حديث مع المرشدة النفسية "منال محمد" متطوعة سابقة بجمعية الأماني لذوي الاحتياجات الخاصة، قالت: «للموسيقا دور مهم في تهيئة الطفل المعوق لعملية التفاعل الاجتماعي عبر تشجيع الاتصال البصري بألعاب التقليد والتصفيق بالقرب من العين أو بالأنشطة التي تركز الانتباه على آلة تعزف قرب الوجه الأمر الذي يفيد الأطفال التوحديين الذين لا يتمتعون بتواصل بصري جيد مع الآخرين، كما أن استخدام الموسيقا المفضلة للطفل المعوق يمكن أن تستخدم لتعليمه مهارات اجتماعية وسلوكية مثل الجلوس على مقعد أو الانتظام مع مجموعة من الأطفال في دائرة، حيث تحبب إليهم طريقة التعلم بدلاً من أن تكون طريقة جامدة فتكون طريقة تعليمية مرتبطة بالجانب الترفيهي وهو ما يجذبهم أكثر، كما تساعد على تحسين صورة الذات والوعي بالجسد، بما ينعكس إيجابياً في زيادة مهاراتهم وقدراتهم على استخدام الطاقة بشكل هادف، ما يساعد على تهدئة مشاعرهم وانفعالاتهم، كما أن الموسيقا المقدمة للطفل المعوق لا بد أن تنسجم مع طبيعة مشكلته ومع الغرض العلاجي الذي نريد التوصل له، فإذا كان الطفل ممن يعانون من الحركة الزائدة، فالموسيقا الهادئة مناسبة لهم وكذلك بالنسبة للأطفال الذين لديهم مشكلات عدوانية واندفاعية، من أجل تهدئتهم وإمكانية تقديم الهدف التعليمي أو التدريبي لهم مباشرة بعد الجلسة العلاجية بالموسيقا، أما إذا كان الطفل يعاني من الخجل والانطواء مثلاً فمن المفضل تقديم موسيقا تحث على الإثارة والمشاركة والمرح، كما إن البرامج الموسيقية لها دور في إثبات المعوق لذاته وتنمية ميولة وإحساسه بالإبداع والإنجاز عند عزفه على آلة موسيقية معينة والإبداع فيها، ما يشعره بنواحي قدرته وقوته.
المُشَارَكَاتُ
شاركنا مع فرقة "هارموني ميوزك" في إحياء الكثير من الحفلات أهمها الحفل السنوي الذي نقيمه كل عام على مسرح المركز الثقافي العربي في "طرطوس"، إضافة إلى مشاركتنا لثلاثة أعوام متتالية في افتتاح "مهرجان الخوابي للثقافة والفنون" منذ عام2017، وقد شاركنا هذا العام في الحفل الذي أقامه المركز الثقافي في "طرطوس" بمناسبة رأس السنة السورية قدمنا خلاله مجموعة من المعزوفات الإفرادية والجماعية، وقام الكورال بالغناء بعدة لغات منها: الآرامية والإنكليزية والفرنسية والعربية، إضافة إلى حفلات متفرقة في المدارس ودائرة المسرح المدرسي.
وفي حديث مع العازفة المكفوفة "جنى يوسف" إحدى طالبات الموسيقية روان الجندي حيث قالت: «بدأت بتعلم آلة العود بعمر ثلاث سنوات واخترت آلة العود لأنها جذبتني بصوتها ولحنها الحنون، والتحقت بجمعية "أطفال المحبة" لتعليم الموسيقا فتدربت على يد الأستاذة "روان" التي علمتني العزف "سماعيّاً" بأسلوب رائع وشفاف، فهي تقرأ لي النوتة وأنا أقوم بعزف اللحن، وخصوصاً أن أناملي تناغمت مع أوتار العود فلم أجد صعوبة في العزف، كما أنني شاركت بالمركز الثقافي بطرطوس وقمت بعزف العديد من المقاطع الموسيقية "يا دارة دوري فينا" و"نسم علينا الهوا" وكانت أمي الداعم الأكبر لي بمسيرتي الموسيقية».
وعند سؤالنا والدة "جنى" السيدة "سوزان" عن الموسيقية "روان الجندي" قالت: «تمتلك الموسيقية "روان" قلباً إنسانياً كبيراً مكنها من إيصال رسالتها إلى هؤلاء الأطفال الذين تعلقوا بموسيقاها وأنغامها حيث تحاكيهم بأسلوب رائع وشفاف يعكس شخصيتها الحنونة».
والجدير بالذكر أن الموسيقية "روان الجندي" هي كاتبة، صدَرَت لها مجموعة قصصية بعنوان "نحت على جسد لم يكتمل".