صنع الفنان الراحل نوري الرحيباني أعمالاً موسيقية خالدة تحكي قصة إبداع وتميز على مر عقود من الزمن، وترك أثراً لا يمحى، فهو موسيقارٌ يعرفُ الموسيقيون وخبراءُ الموسيقى قيمتَهُ وأثرَ انتاجاته وألحانه في الموسيقا السورية.
يعد الموسيقار أحد أهم القامات الموسيقية السورية، يقول الموسيقي "مهدي المهدي" في حديث لـ "مدونة الموسيقا": «ولد المايسترو "نوري الرحيباني" في مدينة الحسكة عام 1939، ورغم انتمائه لعائلة دمشقية، إلا أن جده قام بتبديل اسم العائلة من المنجّد الى الرحيباني، تهرباً من حملات السفربرلك، وتنقل "الرحيباني" بين عدة مدن سورية بسبب عمل والده مصطفى الرحيباني في سلك القضاء، وكانت والدته من أصول تركية شركسية، وتتقن لغات متعددة وتعزف البيانو، ما جعل الطفل نوري وإخوته يحظون برعاية خاصة، ودرس "الرحيباني" الحقوق في جامعة دمشق، بسبب عدم وجود معهد عالي للموسيقا في سورية حينها، وكانت رغبته في دراسة الموسيقا في ألمانيا المعروفة بموسيقييها الكبار من أمثال باخ وبيتهوفن، وكان يعزف البيانو في قاعة الموسيقا في كلية الحقوق، وفي عام 1959 أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة للإيفاد فتقدم لها ونجح، حيث حصلت سورية في تلك الفترة على أربعين منحة من جمهورية ألمانيا ومن ضمنها منحتان للموسيقا، وحصل المايسترو على دبلوم في وضع الألحان والبيانو من المعهد العالي للموسيقا في مدينة لايبزيغ الألمانية عام 1968، كما حصل عام 1973 على دبلوم في قيادة الفرقة السيمفونية من المعهد العالي للموسيقا في درسدن.
وأقام "الرحيباني" في ألمانيا وتفرغ للعمل الموسيقي، وكان عضواً في جمعية "كارل أورف" الدولية في "زالسبورغ" والجمعية الدولية لتطوير الدراسات الموسيقية في ألمانيا،"IGMJ"بينما عمل المايسترو "الرحيباني" قائد أوركسترا العديد من الفرق السيمفونية العالمية منها فرقة رايشنباخ وفرقة سان بطرسبورغ السيمفونية وفرقة هاليه الفلهارمونية وفرقة إذاعة برلين السيمفونية الكبيرة والفرقة السيمفونية الوطنية السورية»..
منح الرئيس الألماني "هورست كوهلر" للموسيقار السوري نوري الرحيباني وسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الأولى، يقول الموسيقار "مهدي المهدي" ويتابع: «وجاء هذا التكريم تقديراً لإبداعه في مجال الموسيقا وقيادة الأوركسترا في ألمانيا والعالم، وفي عام 2011 قدم مع الفرقة السمفونية الوطنية السورية الملحمة الموسيقية الشهيرة "كارمينا بورانا" لكارل أورف على مسرح الدراما في دار الأوبرا السورية بدمشق وقدم المايسترو عدداً من المشاريع لوزارة الثقافة، بعد تأسيس الفرقة السيمفونية الوطنية عام 1993، استدعي الرحيباني لأول مرة عام 2001 لقيادتها، ولم ينقطع عنها منذ ذلك الحين، حيث أحيا عدداً من الحفلات في سورية خلال سنوات الحرب، وكان من القلة الذين تحدوا ظروف الحرب منذ 2011 حتى 2018، كما استمر بزيارة بلده، كما وضع الموسيقا التصويرية لعدد من المسرحيات والأعمال السينمائية منها "يوميات مجنون" لفواز الساجر، و"الأبطال يولدون مرتين" لصلاح دهني، ونفذ العديد من التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية مع أوركسترا إذاعة برلين الكبيرة، وفرقة الكورال التابعة لها، والجدير بالذكر أن المايسترو الرحيباني ألف عدداً من السيمفونيات أشهرها: المدن الميتة، "أنشودة السلام"، "نشيد العاصفة"، إلى جانب أغان ورقصات شعبية سيمفونية وصور موسيقية من الفلوكلور السوري».
أما الفنان صفوان بهلوان فقد رثاه بهذه الكلمات: «الآن مضيتَ يا أخي وصديقي الحبيب وتركت عصاك السحرية فوق دفترك الموسيقي لتحكي قصة الإبداع ورحلة الخلود.. كيف تمضي وموعدنا في دار الأوبرا في دمشق لتحرك الأمواج وتشعل العاصفة من جديد إثر كل حركة إبداعية من عصاك أو من رؤوس أصابعك السحرية، فتجعل البحر هائجاً مائجاً تارة، وأخرى هادئاً وادعاً... وداعاً أيها المايسترو العظيم».
غادر حايتَنا بتاريخ 3/3/2023 في ألمانيا ويذكر أن الفنان الراحل من مواليد مدينة الحسكة عام 1939، وتم تكريمه عام 2019 من وزارة الثقافة والأوركسترا الوطنية بحفل خاص قدمت فيه أجمل مقطوعاته الموسيقية.