خرّج "المعهد العالي للموسيقا" العديد من الأصوات الجميلة والقوية التي لم تأخذ حقها، سواء في الساحة الموسيقية أو من الناحية الإعلامية، ومن هذه الأصوات مغني التينور "الياس زيات".

(من أرشيف مدونة وطن eSyria تشرين الأوّل 2012(

مدونة وطن eSyria التقت الفنان والموسيقي "زيات" وبدأ حديثه معنا قائلاً: «نشأت في عائلة تمتع أفرادها جميعاً بأصوات جميلة ويعزفون على آلات موسيقية متعددة، فكل واحد من إخوتي كان يعزف على آلتين على الأقل، وأبي كان يهتم بموهبتنا الموسيقية كثيراً ويشجعنا، وغالباً ما كنا نغني في سهراتنا العائلية مشكلين فرقة موسيقية كاملة، وفي وقت من الأوقات تمّت مشابهة عائلة "زيات" بعائلة "البندلي" اللبنانية وذلك من خلال برنامج تلفزيوني كانت تعده وتقدمه الإعلامية المعروفة "منى كردي" في مقابلة أجرتها معنا، كنت بوقتها في الصف الرابع الابتدائي، وحينذاك اعتبروني في المدرسة مغني الصف».

1- المرتّل الياس زيات

وتابع حديثه قائلاً: «آلة "العود" هي الآلة الأولى التي بدأت التعلم عليها عند الأستاذ الراحل "ميشيل عوض" ثم بدأت الدراسة في "المعهد العالي للموسيقا" باختصاص الغناء، وحسب رأيي فإن آلة العود هي الآلة الأنسب لمرافقة المغني الشرقي حيث يتمكن من العزف والغناء معا».

وعن تجربته مع كورال "أطفال وزارة التربية" قال: «بدأت تجربتي مع كورال "أطفال وزارة التربية" منذ عام 2009 عندما عينت في المسرح "المدرسي" التابع للإدارة المركزية في "وزارة التربية"، فبدأت باختيار المواهب من مختلف مدارس "دمشق" وريفها ثم بدأت بتدريب أصواتهم على تقنيات الغناء وتعليمهم أغنيات من تراثنا "السوري، واللبناني، والمصري"، كما بدأت تعليمهم الغناء بأصوات متعددة، وقراءة الصولفيج».

2- أيقونة مسيحية

يجمع "زيات" بين الغناء "الشرقي والغناء الغربي الكلاسيكي"، وفي هذا السياق قال: «التراث الشرقي تربيت عليه وعاش في داخلي من خلال الغناء ومن ثم من خلال "الترتيل في الكنيسة"، أما الغناء "الكلاسيكي" فقد درسته في "المعهد العالي للموسيقا" لأستفيد من تقنياته في تطوير إمكاناتي الصوتية وتطوير أدائي في "الغناء الشرقي" حيث إنني أستخدم الكثير من تقنيات الغناء الكلاسيكي الغربي في غنائي الشرقي، بينما لا أستطيع استخدام العكس حيث إن الغناء الكلاسيكي يعتمد على الصوت واللحن أكثر من إظهار الكلام، بينما الغناء العربي يعتمد بالدرجة الأولى على إظهار الكلمة لأنه ارتبط في بداياته بتلحين الشعر لإضفاء جمالية على أداء القصيدة الشعرية، وفي الترتيل مهمة المرتل هي إيصال كلمات الصلاة للرّب وإفهامها للمُصَلّين».

أما عن الشخصية التي لعبها في أوبرا "زواج فيغارو" التي قدمت في دار "الأوبرا السورية" قبل فترة، قال: «قمت بأداء دور أحد الفلاحين وغنيت ضمن كورال مصغر مؤلف من مجموعة من الفلاحين يشاركون في احتفالات الزواج».

وعن بعض مشاركاته مع مطربين في هذا المجال قال: «في عام 2008 وفي حفل اختتام احتفالات "دمشق عاصمة الثقافة" غنيت مع الفنان "مارسيل خليفة"، وكان الحفل عبارة عن ملحمة تحت اسم "أحمد العربي" شعر "محمود درويش" وألحان "خليفة"، وكنت أحد المغنين الإفراديين الستة. كذلك عملت مع الأستاذ "عابد عازرية" فالعمل مأخوذ من "إنجيل يوحنا" ومن تلحين الأستاذ "عازرية" وقمت بدور "يوحنا المعمدان" وأدوار أخرى ضمن العمل وقد قدمنا العمل في "دار الأسد للثقافة والفنون" بدمشق وفي مهرجان "ديني في فاس – المغرب" وفي دور أوبرا كل من "مارسيليا ونيس – فرنسا».

أما عن تدريسه الموسيقا للأطفال وأسلوب تعامله مع هذه الفئة العمرية فقال: «الطفل والموسيقا أصدقاء، فالطفل يفهم الموسيقا وهو جنين في شهره الرابع ويتفاعل معها بشكل كبير، لذلك يكون من السهل إيصال أي معلومة إلى الطفل عن طريق الموسيقا، وهكذا أتعامل معهم من هذا المنطلق حيث نقوم بألعاب موسيقية يتعلمون عن طريقها المعلومة الموسيقية التي أريد إيصالها بالإضافة إلى الاستمتاع باللعب، وقد بدأت تجربتي في التدريس بشكل عام منذ أكثر من عشرين عاماً تقريباً مع جوقة "الكنيسة"، بالإضافة إلى تدريس آلة "العود"، ومن ثم وخلال دراستي في "المعهد العالي" بدأت أدرّس الغناء والصولفيج. التدريس متعة كبيرة بالنسبة لي فأنا أفرح كثيراً عندما أرى طلابي يتميزون».

ولزيات رأي فيما وصلت إليه الموسيقا السورية حيث ينهي حديثه قائلاً: «هناك الكثير من التجارب التي قام ويقوم بها عدد كبير من الموسيقيين السوريين القدامى والجدد، وقد أدخلوا الكثير من القوالب الموسيقية الغربية على الكلام العربي، فاستخدم بعضهم "الجاز" وبعضهم "الراب" وبعضهم حاول أن يقوم بتوزيع الأعمال القديمة بشكل عصري. برأيي بعض هذه الأعمال كان ناجحاً جدّاً وبعضها الآخر لم يكن موفقاً. أظن أن الأغنية السورية ينقصها أولاً شركات إنتاج لا تركض وراء الربح المادي فقط، حيث إن وجود شركات شجاعة تغامر بالعمل على تنمية الأغنية السورية والمحافظة عليها من حيث الكلمات ذات القيمة الأدبية والاجتماعية واللحن الذي لا يعتمد على الابتذال ويعبر عن معاني الكلمات بحجة أن الناس تريد موسيقا كهذه سيخرج لنا كُتّاباً وملحنين ومغنين مهمّين جدداً. كفانا اختباءً وراء هذه الحجة التي يهمُّنا منها الكسب المادي فقط، فالناس تستمتع بسماع الأغاني ذات القيمة العالية، والدليل على ذلك الحضور الكثيف لحفلات السيدة "فيروز" أو "زياد الرحباني" مثلاً، فلو لم يكن الناس يفتقدون هذه القيمة الفنية فلن يحضروا مثل هذه الحفلات. والحل برأيي أن تنتج الشركات الفنية موسيقا تدر عليها أرباحاً مادية، وبنفس الوقت تنتج أعمالاً لها قيمتها الفنية وبنفس قوة الدعاية والدعم التي تصرفها على الأعمال العادية، وعلى الناس أن تختار بعد ذلك ماذا تريد أن تسمع ونكون قد حافظنا على موسيقا سورية عالية المستوى والقيمة الفنية، كما حافظنا على كُتاب وملحنين ومغنّين يرفعون رأس سورية بِنِتَاجهم الفني المهم».

الموسيقي "بشر عيسى" قال عن "الياس زيات": «لطالما أدهشني صديقي وزميلي الفنان "الياس زيات" بإتقانه وإخلاصه المميز لعمله الموسيقي، وبنشاطه الكبير في شتى الحقول الموسيقية التي يبرع بها، بالاضافة إلى امتلاكه صوتاً رخيماً قادراً، وبمساحة صوتية كبيرة، فقد استطاع وبحرفية بالغة تطويع حنجرته لغناء أشكال وأساليب موسيقية غنائية متضاربة في تقنيتها الصوتية كالغناء الأوبرالي المنفرد، والغناء والترتيل البيزنطي، والغناء الشرقي العربي، والغناء الكورالي الكلاسيكي، حيث استطاع تكوين شخصية موسيقية متفردة لصوته تتناغم مع طبيعة وأسلوب الموسيقا. وإذا كان يجوز لنا أن نضع الموسيقا موضع الحرفة أو "الكار" بمفهومه الدمشقي، فحتماً "الياس زيات" هو "شيخ كار" في الموسيقا».

يشار إلى أن "الياس زيات" قد تخرج في "المعهد العالي للموسيقا" عام 2000، وشارك في دورة غناء أوبرالي في "مرسيليا- فرنسا" عام 1999، وهو قائد جوقة القديس "إغناطيوس الأنطاكي المتوشح بالله" جوقة "الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس" بدمشق، ومؤسس المدرسة البطريركية للموسيقا الكنسية لتعليم الموسيقا البيزنطية بدمشق، ودرَّسَ الغناء العربي في "المعهد العالي للموسيقا" لعدة أعوام، كما درَّس الغناء وتدريب الصوت في "كلية الموسيقا- حمص"، وله مشاركات ونشاطات محلية وعالمية.