دخولها مجال الغناء كان مصادفة حين رافقت شقيقتها (من أعضاء كورال "لونا" للمايسترو الراحل "حسام الدين بريمو") إلى حضور أحد تدريبات الكورال، حينئذٍ طلب منها المايسترو "بريمو" المشاركة من خلال تأدية إحدى المقاطع الغنائية مُلحّاً على ذلك على الرغم من معرفته أنها ضيفة، فما كان منها إلا أن أدت المقطع بشكل صحيح وصوت جميل لم تكن تعلم أنها تمتلكه، لتنضم بعد ذلك بشكل رسمي إلى كورال "لونا" ومنه تبدأ أولى خطواتها في طريق الغناء والعزف.
مِن "لونا" كَانَتِ البِدَايَةُ
في حديثها لـ"مدونة الموسيقا" قالت المغنية وعازفة التشيللو "رغد قصار بني المرجة": «لطالما كان الكورال بالنسبة لي مدرسة حقيقية، وقد تعلمت من المايسترو الراحل "حسام الدين بريمو" بشخصيته الجادة والملتزمة والمحبة الالتزام والانضباط، ومن خلاله بدأت تظهر معالم شخصيتي بشكل مختلف، كما ساهم في رفع مستوى ذائقتي الفنية، ومنه تعلمت كيف أنجز واجبي بشكل أكثر جدية وبأفضل النتائج، كذلك مشاركاتي في حفلات الكورال علمتني جرأة الوقوف على المسرح وأمام الجمهور واحترامه».
وتضيف: «بعد مدة من انضمامي إلى كورال "لونا" انضممت إلى فرقة "ورد"، وهي إحدى الفرق التابعة للكورال لكنها تضم مراحل عمرية أكبر، ومن خلالها تعلمت غناء الموشحات والفن الأصيل، ووصلت إلى مستوى أكثر تقدماً، ما ساهم بتربية شخصيتي على الأصعدة كافة، وفي عمر السادسة عشر بدأت رحلتي مع العزف، فاخترت آلة التشيللو التي كانت بدايات تعلمي العزف عليها في إحدى معاهد منطقة "التجهيز" لمديره "هيثم أمين" وبإشراف أستاذي وقدوتي "أثيل حمدان"، وبعد حصولي على الشهادة الثانوية تم قبولي في كلية الفنون الجميلة في جامعة "دمشق" أيضاً اجتزت اختبار القبول في المعهد العالي للموسيقا، حيث كان أستاذي "أثيل حمدان" عميد المعهد آنذاك، فقدم لي دعمه وتوجيهه في ذلك المجال خلال فترة دراستي فيه، ومن هنا كانت بدايتي في خطوتي الجديدة».
التشيللو.. أُسلُوبُ حَيَاةٍ مُختَلِفٌ!
في البداية أحبت "رغد" تعلم العزف على آلة العود، لكنها ومصادفة أيضاً تعرفت على التشيللو من خلال أحد زملائها، فأحبت الآلة وبدأت أولى خطوات تعلمها بمساعدة من المايسترو "بريمو" حيث قالت عن هذا الجانب: «للمايسترو "بريمو" فضل معرفتي بأستاذي وقدوتي "أثيل حمدان"، الذي يشكل مدرسة متكاملة في مجال العزف على آلة التشيللو. في البداية أعجبني صوت الآلة العريض بطبقته القريبة من الصوت البشري، على العكس من آلة الكمان ذات الطبقة الصوتية العالية، بالإضافة إلى ذلك فإن عازفي التشيللو في بلدنا يُعتبرون أقليةً مقارنة بعازفي آلات أخرى كالبيانو والجيتار والكمان، لذلك جذبتني فكرة التفرد، ومع الوقت بدأت أتعلق بآلتي بعد أن تعرفت أكثر على ميزاتها خاصة أنها آلة تتمكن من تأدية دور المرافقة (المساندة) فتعطي بعض نوتات الباص للفرقة الموسيقية، كذلك تؤدي دور الآلة المنفردة من دون مصاحبة آلات أخرى».
وتكمل: «بعد أن قررت احتراف العزف على التشيللو أصبح الموضوع بالنسبة إلي أسلوب حياة متكاملاً، وبدأت أمضي برفقة آلتي مدة ساعتين على الأقل يومياً، وبدأت أراقب طريقة عزفي ومستوى تطوري الذي أخذ يتطور تدريجياً حتى وإن كان في البداية تطوراً بطيئاً، حتى ازداد تعلقي بالتشيللو وأصبحت أفرح لكل إنجاز أحققه، وهذا ما كان يشكل دافعاً لي لإنجازات لاحقة، والحقيقة أن طريقة تعاملي من الآلة علمني الكثير من الصبر وضرورة الإصرار على التقدم، وكيفية وضع خططي المستقبلية وآلية العمل على تنفيذها بالتزامن مع تنفيذ أعمالي الحياتية الأخرى، أي أكسبتني آلتي الجديدة المزيد من القدرة على التنظيم».
المَوهِبَةُ وَحدُهَا لَا تَكفِي!
ترى "رغد" أن الموهبة وحدها غير كافية، فأولاً لابدّ من تدعيمها بالتمرين المستمر، وتقول: «سأعطي مثالاً، حتى وإن امتلكت الصوت الجميل، لكن الصوت وحده لن يكون كافياً من دون تمرينه على الأداء وكيفية التحكم به وبطبقاته، والأمر كذلك بالنسبة للعزف أيضاً، فموهبتي في العزف وحدها لن تكون كافية ما لم تترافق بتمرين يومي، والموهبة أيضاً تتدعم بالدراسة الأكاديمية التي بدورها تساعد الفنان على الفهم الصحيح وتوسع مداركه، ومن خلالها يمتلك معلومات غايةً في الأهمية بشكل علمي ومنهجي تساعده في طريقه نحو الاحتراف، والدراسة الأكاديمية تكسب الفنان مزيداً من الثقافة التي تساعده على أداء عمله بشكل صحيح ومميز، فعزف مقطوعة لـ "باخ" مثلاً تتطلب معرفةً واسعة بكيفية تأدية القطعة الموسيقية بما يتناسب مع هذا العصر (عصر الباروك)، والتكنيك المناسب لاستخدام الآلة، كذلك يتطلب امتلاك معلومات عن عصر "باخ" واختلافه عن غيره من العصور، إذاً بالنسبة للفنان الأكاديمي لا بدّ أن يمتلك الثقافة الواسعة فيما يتعلق بموسيقا الماضي والتي أعتبرها أمانة في أعناقنا كموسيقيين أكاديميين فمن خلالها سنساهم حتماً برفع مستوى الثقافة الموسيقية ليس لنا كفنانين فقط بل لجمهورنا أيضاً».
خلال دراستها في المعهد العالي للموسيقا مثّل الأستاذ "أثيل حمدان" بالنسبة للفنانة "رغد" مدرسةً فنيةً متكاملة، فهو عازف التشيللو الغني عن التعريف والذي ترك بصمةً موسيقية متميزة، وترى فيه "رغد" صاحب الشخصية المتفردة من حيث التواضع والثقافة العالية في هذا المجال، وحتى بعد سفرها إلى خارج "سورية" تبيّن "رغد" أن أستاذها لا يزال يمثل القدوة خاصةً أنها أصبحت اليوم مدرّسةً بعد انتقالها إلى مرحلة دراسية جديدة في جامعة "فيسبادن"، خطوة عملية في تدريس الموسيقا الكلاسيكية سبقتها مراحل استمرت لسنوات عديدة كطالبة في جامعات "ألمانيا" اكتسبت بها الكثير من الخبرة في الموسيقا الكلاسيكية من منبعها الأصلي بحسب تعبيرها.
مُشَارَكَاتٌ
للفنانة "رغد" العديد من المشاركات الهامة في مجال الغناء والعزف على التشيللو من أبرزها مشاركة في "برلين" (عزف وغناء) ذلك في العام /2016/ مع أوركسترا الشباب العربي" (الفيلهارموني) لمؤسسها ومديرها د. "فوزي الشامي"، جمعت عازفين من الوطن العربي، وتعتبر من المشاركات الجميلة والمهمة بالنسبة لي، ومشاركة عام /2023/ في حفلة عزف على التشيللو شارك فيها /12/ عازفاً على الآلة في مدينة "دينكلسبول" في مقاطعة "بايرن" الألمانية، كذلك مشاركة في مسرحية حملت اسم "مدينة في ثلاثة فصول" من إخراج "عروة العربي"، لعبت فيها "رغد" دور "ماريان" الفتاة عازفة التشيللو، وكان لذات المسرحية مشاركة هامة في إحدى المسابقات في دولة "الكويت" بعد تقديم /12/ عرضاً على خشبة مسرح "الحمراء".
يُذكر أن الفنانة "رغد قصار بني المرجة" من مواليد "دمشق"، تقيم حالياً في "ألمانيا" مدينة "فيسبادن" مقاطعة "هيسين"، وهي طالبة في جامعة "فيسبادن" للتربية الموسيقية.