مَن يسمعه سوف يدرك للتو أنه من طينة الكبار، وأن قلة من مطربي اليوم يمتلكون قدرته على التنقل كيفما شاء بين المقامات وفي مساحات صغيرة ودقيقة.

(من أرشيف مدونة وطن 2013 أروى غندور- عبد الله القصير)

لذلك تجد أنه كلما كان مستمعوه على دراية أكبر بالموسيقا أدركوا قيمة أدائه المختلف. إنه المطرب الحلبي "نور الدين المغربي" الذي التقته مدونة وطنeSyria ليقص علينا حكايته مع النغم.

1- المطرب نور الدين المغربي

من يسمع "نور مغربي" يبهر بأدائه وإمكانياته فهو رجل عظيم لكن حظه قليل، يحفظ التراث الإنشادي بكل الطرق الصوفية، وبالإضافة لحفظه الطرب الحلبي والموشحات والقصائد، وهذه عناصر مهمة يمتلكها الفنان، والكثيرون من الفنانين المعروفين لا نجدها عندهم.

* كيف كانت بدايتك الفنية؟

** كان يأتي لزيارة والدي مجموعة من المنشدين الذين يتحدثون عن الموشحات، وكنت في الثامنة من العمر فبدأت أسأله أن يعلمني الغناء، وأصبحت بشكل دائم أسأله عما أسمع، حتى صرت في العاشرة من العمر أميز مقامات موسيقية عديدة بتفرعاتها، وبشكل عام فأنا من عائلة فنية، فأخي عازف كمان، والآخر عازف عود تعلمت منه الأزمنة والصولفيج والنوتة، ثم أكملت مع الأستاذ "إبراهيم سكر" الذي جمعني مع الكثير من الفنانين والعازفين، لذلك أعتبره نافذة كبيرة بالنسبة لي لأنه فتح مجالات وطرقاً كثيرة لي منها أمسيات على المسرح، وكان خالي "عبد القادر راجح" والملقب "عبد القادر راديف" نسبة لوالده المنشد أيضاً كان له دور كبير.

2- نور الدين المغربي في جلسة طرب تراثية

*ماذا عن الارتجال؟

** هي ميزة الارتجال، فأنا أعيشها بطريقة مختلفة حيث أتقن التصوير المقامي أي الانتقال بين المقامات بسلاسة، مثلاً من مقام الكرد ري أستقر على علامة الـ مي بيمول وأنتقل إلى عجم المي بيمول ثم أعود لبيات النوى ثم بيات الري وأعود إلى كرد الري، أفعل ما أشاء فيها وأنتقل كيفما أردت، وهو أمر لا يتقنه إلا قلة منهم مثل الشيخ "حسن حفار" فهو أفضل الموجود بل مطربنا الوحيد، وهذه الميزة يراها الناس غريبة وأفضل من يقدرها هم خبراء الموسيقا والسميعة الجيدون.

هل مجرد أنك تعلمت المقامات ومجالاتها وتفريعاتها أم فطرية وموهبة؟

** علمياً هناك مغالطات، فنحن بمجرد سماعنا السلم الموسيقي نعرف ما هو المقام أو النغمة، ولكنني لا أتمسك بقاعدة مثلاً البعد دو ري ثلاث أرباع مي نصف بيمول يمكن أن أعملها دو بيمول فأتحكم بها كما أريد، أحب أن أكون غير بقية المطربين فلا أتمسك بقواعد وتفاصيل وتفرعات المقامات.

* هل درست في معهد موسيقي؟

** إخوتي درسوا في معاهد موسيقية، وأنا درست الابتدائية فقط، فبعد أن توفي والدي بدأت أعمل بمهنة النجارة لأعيش منها والآن أصبحت خبيراً بها، وتعلمت من خالي "عبد القادر راجح".

هل تفكر بأن تترك مهنتك النجارة لتعيش من صوتك؟

** النجارة فن أيضاً فن أحبه، وأنا لا أفكر بتركها حتى لو أصبحت مغنياً.

تغني موشحات وأدواراً وقدوداً قديمة جداً، قلة من يغنونها ويتذكرونها الآن؟

** الفن القديم هو الطرب الحقيقي وهو الأصعب وأنا أميل له أكثر ولا أهتم للحديث.

مرة التقيت الفنان "ملحم بركات" وقد سمع صوتك وأنت تنشد، فماذا قال لك؟

** وجد أنني مختلف ولست كالآخرين، وقال مازحاً: "أنت أزعر حلب"، وأنا أحبه فلديه ثقة كبيرة بشخصيته وبفنه.

ماذا تحدثنا عن مشاركاتك الفنية؟

** شاركت في العديد من الأمسيات، بعضها كانت أمسيات تجمع بين المعلومة والطرب، حيث يتحدث الباحث المختص عن المقامات، أو عن المطربين والموسيقيين الكبار، ومنهم "محمود صبري" و"صبري مدلل" وغيرهم، ومشاركاتي تقتصر على تقديم الأمثلة الغنائية التي تغني المعلومة.

*كيف ترى الطرب في حلب الآن؟

** الطرب في حلب في تراجع، التيار التجاري يبدو جارفاً للأصالة، وأنا لا أقدر على لون لا أجد نفسي فيه، حتى ولو طلب مني ذلك ومرة تركت المايك عندما طُلب مني أن أغني لأحد المطربين السوريين المشهورين. إذا أردت أن أغني هذا اللون كي أكون مع التيار أستطيع حفظ هذه الكلمات بيوم واحد بل بساعة أو ساعتين، وأقدمها في اليوم التالي، ليس من الخطأ تقديم تنازلات، ولكنني لا أفضل أن أقدم نفسي هكذا ولا أريد هذا الأسلوب.

شهادات

التقينا الموسيقي وصانع الأعواد المعروف الأستاذ "ابراهيم سكر"، الذي يقول عنه: «هو فنان شامل فعندما يغني يمثل حصيلة الجيل الماضي وعندما يعزف نسمع عزفاً رائعاً وصحيحاً بالإضافة لمقدرته وباحتراف للتلحين، وهو شخص كريم لا يسعى للماديات وإلا كان قد أخذ فرصته وبصمته الخاصة فيعمل على المقامات القديمة التي عمرها أكثر من 50 سنة، ويعمل بعرب الغوما والماكينة القديمة فلا تجد من يعمل بها الآن».

ويضيف "سكر": «من يسمع "نور مغربي" يبهر بأدائه وإمكانياته فهو رجل عظيم لكن حظه قليل، يحفظ التراث الإنشادي بكل الطرق الصوفية، وبالإضافة لحفظه الطرب الحلبي والموشحات والقصائد، وهذه عناصر مهمة يمتلكها الفنان، والكثيرون من الفنانين المعروفين لا نجدها عندهم».

الباحث الموسيقي "مصطفى عرب" يتحدث عن "مغربي" بقوله: «لقد شبهته بزجاجة عطر مغلقة لا يمكننا استنشاق رائحتها، فيجب أن يعرفه الناس أكثر، يتمتع بميزتي المقدرة الصوتية الجميلة مع النظافة الصوتية في العلامات الموسيقية، والمعرفة الدقيقة بالمقامات والانتقالات، ومن النادر أن نجد هذا لدى الكثير من مطربي اليوم فأغلبهم لا يعرفون ماذا يقولون».

ويتابع "عرب" بالقول: «اعمل على تشجيعه فآخذه معي في كل مناسبة احتفالية أو محاضرة ليظهر إلى الناس والجمهور، وجميع من يسمعه يعجب به كثيراً، وإنني أتنمى أن يأخذ مكانه الطبيعي بين المطربين السوريين فموهبته ليس لها حدود، ولكن عليه المثابرة والجهد فأنا أحثه على العمل الجاد وأفكر له بخط جديد بمعزل عن التقليد العادي أو القديم ليكون له طريق مختلف».