وُلد الموسيقار الراحل "حسين نازك" في "القدس" عام 1942، وفيها تتلمذ على يد الموسيقي "يوسف خاشو"، وفي العام 1969 انتقل إلى "دمشق" ليستقرّ فيها، حيث أسس في العام 1976 فرقة "العاشقين" التي كان مديرها حتى العام 1985، ثم أسس فرقة "زنوبيا" القومية الحديثة، كذلك حمل الموسيقار الراحل على عاتقه مهمة إحياء وإعادة تأهيل التراث الفلكلوري لوطنه الأم "فلسطين" وبلده الثاني "سورية".
رِحلَةٌ مَع "العَاشِقِينَ" وَ"زَنُّوبِيا"
لـ"مدونة الموسيقا" يتحدث المايسترو "نزيه أسعد" عن الموسيقار الراحل "حسين نازك" حيث قال: «لطالما كان الموسيقار الراحل معنيّ تماماً بنمط الأغنية الوطنية وربطها باللحن التراثي من خلال فرقة "العاشقين" التي تأسست على يده، فكان يبرع في المزج بين اللحن التراثي الفلسطيني مع الكلمات الوطنية التي تقترب من قلوب الفلسطينيين، ويمكن لشرائح متنوعة من الناس حفظها وترديدها، فكان ذكيّاً في طرح الألحان التراثية التي برع في إلباسها للكلمات الوطنية، حتى تحولت الأغنية الوطنية الفلسطينية بفضله إلى سلاح قارع به الاحتلال من خلال فرقته "العاشقين"».
ومن خلال فرقة "زنوبيا" تمكن الموسيقار الراحل "نازك" من تقديم عدد من المطربين السوريين ممن لهم علاقة بالتراث واللحن الشعبي والفلكلوري، فساهم بذلك بالتعريف بأصوات فنانين أصبحوا لاحقاً من كبار فناني "سورية" بحسب المايسترو "أسعد" والذي يضيف: «مع فرقته "زنوبيا" استطاع الموسيقار الراحل أن يجول في العديد من الدول العربية والعالمية، كذلك ساهمت الفرقة في تأسيس المسرح الراقص في "سورية"، وكانت مرافقاً لجميع العروض المسرحية الراقصة آنذاك، ومن خلال فرقة "زنوبيا" أيضاً أعطى الموسيقار الراحل الفرصة للموسيقيين السوريين وغير السوريين لإثبات وجودهم من خلال العزف مع الفرق الشعبية والاستعراضية».
وأشار المايسترو "أسعد إلى أن فرقة "زنوبيا" هي فرقة قومية تنبع أهميتها من خلال محافظتها على التراث السوري أيضاً، وقولبته بطريقة معاصرة ومطورة، تميزت دائماً بالتجديد والابتكار في طرح الألحان الفلكلورية السورية من خلال الموسيقار الراحل "نازك"، أيضاً من خلال طرق إخراج العمل المسرحي الغنائي الذي كانت تؤديه الفرقة أداءً حيّاً برفقة الفرقة الراقصة، حيث برعت في تقديم أداءٍ منسجم على المسارح في "سورية" وخارجها.
اِلتِزَامٌ بِقَضَايَا الوَطَنِ وَالإِنسَانِيَّةِ
عُرف الموسيقار الراحل "حسين نازك" بالتزامه بقضية وطنه فلسطين والقضايا الإنسانية بشكل عام وهذا ما يصفه المايسترو "أسعد" بالحالة العفوية لدى الموسيقار الراحل ويضيف: «بالإضافة إلى تمسكه بقضية بلده فلسطين، فقد عمل على تلحين الكثير من الأغنيات الخاصة بوطنه الأمّ عموماً ومدينة "القدس" على وجه الخصوص، ولقد عُرفت ألحانه الخالدة في كافة الدول العربية ومن خلالها اشتُهر بالملحن الفلسطيني الذي يعيش في "سورية" التي احتضنته، فقدّم لها الكثير كما قدّم لوطنه الأم "فلسطين، كما كان له الفضل في التأثير بالكثير من الفنانين الوطنيين السوريين الذين ساهموا بدورهم في توزيع الأغنية الوطنية والفلكلورية السورية والفلسطينية بأسلوب معاصر، ولحنوا الأغاني الشعبية التي ارتبطت بالمسرح الراقص كل ذلك من خلال مدرسة الموسيقار الراحل الذي تتلمذوا على يديه».
أُوبِّرَا "دِمشَق"َ تُكَرِّمُ المُوسِيقَار "حسين نازك"
في العام 2021 أقامت دار الأوبرا السورية تكريماً للموسيقار الراحل "حسين نازك" من خلال حفل أوركسترالي بقيادة المايسترو "نزيه أسعد" وعن هذا التكريم يقول: «لقاءات عدّة جمعتني بالموسيقار "نازك" سبقت التحضيرات والتدريبات لحفل التكريم، وفي كل مرّة كنت أحاول معرفة ماذا كان يرغب بتقديمه في هذا الحفل بالتحديد، حينئذٍ فضّل تقديم الأغنيات الوطنية ومجموعة من أغاني الأطفال التي لحنها منها افتح يا سمسم وقصص عالمية، فأخذت النوتات الموسيقية منه وقمت ببعض التوزيع الأوركسترالي، وبدأنا التحضير مع فرقة كبيرة مؤلفة من عازفين على آلات وترية وآلات شرقية ونفخية وآلات الإيقاع الكلاسيكية وآلات الإيقاع الشرقية، بالإضافة إلى كورال كبير، وقد احتاج التحضير لهذا التكريم الكثير من الجهد والوقت بالنسبة للتوزيع سواء لأعمال الأطفال أو الأعمال الوطنية التي عاشت في ذاكرتنا ولا تزال.
لقد تميز التحضير لحفل التكريم هذا بالانسجام التام فيما بيني وبين الموسيقار الراحل، وبين كافة أعضاء الفرقة والكورال، فكان تكريماً مهماً وناجحاً، حيث كان آخر ظهور للموسيقار "نازك" بالوسط الفني».
خِبرَةٌ عِلمِيَّةٌ وَإِبدَاعٌ
رافق عازف الغيتار "طارق صالحية" الموسيقار الراحل "حسين نازك" في معظم ما قدمه من أعمال موسيقية، ويقول: «كنت لا أزال شاباً صغيراً عندما التقيت بالموسيقار "نازك"، ولم أكن قد اكتسبت خبرتي في مجال العزف على آلة الغيتار بعد، ومن خلال انضمامي إلى فرقته "زنوبيا" تبنى موهبتي واحتضنني كاحتضان الأب لابنه، وبدأت باكتساب الخبرة على يده.
وخلال مسيرتي رافقت الموسيقار الراحل في العزف في معظم ما قدمه من أعمال فنية خالدة، وسجلت معه الكثير من شارات البرامج والموسيقا التصويرية للعديد من الأعمال الدرامية وأعمال الأطفال».
ويضيف: «أكثر ما يميز الموسيقار "نازك" أنه من جيل المبدعين القدماء، وهو فنان متمكن موسيقياً من الناحية العلمية كونه درس الموسيقا في أوروبا، وهو صاحب موهبة وإبداع لا محدود، متقن لعلم الهارموني وانسجام الأصوات، فقد تميز عن غيره من الملحنين بقدرته على كتابة الألحان الشرقية لآلة الغيتار، وهذا ما لم يكن أحد من الملحنين يستطيع فعله، حيث وظف خبرته العالية في هذا الجانب، ما شكل متعةً حقيقية بالنسبة لي في العزف معه وخبرة إضافية اكتسبتها بفضله».
ويختم: «لقد كان الموسيقار الراحل من الأوفياء لقضية بلده وبلدي الأم "فلسطين" ولوطننا الثاني "سورية" التي احتضنتنا بكل حب وقدمت لنا كل الدعم، ولهذا بقيت أعمال الموسيقار الراحل شاهدة على هذا الوفاء، وهي أعمال خلدها التاريخ ولن تنسى، فهو الموسيقار العالمي صاحب البصمة المتفردة التي لن تتكرر في عالم الفن».
رحل الموسيقار "حسين نازك" في "دمشق" بتاريخ 25 أيار 2023 تاركاً إرثاً فنياً وطنياً خالداً في الذاكرة.