لم تبدأ غيثاء النقري مشوارها في العزف على العود، مُبكراً، كما لم يُتح لها أيضاً، التعلّم على يد أستاذٍ واحد كما يحدث مع المُحترفين عادةً، لكنّ هذه الاستثناءات حفّزتها لِبذل جهودٍ مُضاعفة، جعلتها خلال وقتٍ قصيرٍ نسبياً، اسماً حاضراً في ميدان العود محلياً.

حتى أنها طالبت بتغيير منهاج تعليم العود في معهد إعداد المدرسين، وقدّمت آخر أكثر تطوراً وفاعليةً، كان موضوع رسالتها لنيل الماجستير، كذلك كانت لها مشاركات في حفلات موسيقية عديدة، من بينها أمسية مع الموسيقي كنان ادناوي، ضمن احتفالية إدراج ملف (صناعة العود والعزف عليه) على قائمة التراث الإنساني لليونيسكو بداية العام الحالي.

أَوَّلُ خَطوَةٍ

تعرّفت النقري على الآلة، عن طريق أصدقاء كانوا يزورون عائلتها ويعزفون على العود، وكانت خطوتها الأولى للتعلّم في عمر 19 عاماً، مع أستاذٍ وجد عندها بذور موهبةٍ واعدة وإمكانية لتقديم المزيد، مع قلّة أعداد العازفات على العود عموماً، فاقترح عليها الالتحاق بكلية التربية الموسيقية في محافظة حمص، وهذا ما فعلته بعد إكمال دراستها في قسم التاريخ، ومن ثم اعتمدت على نفسها مع توجيهات عدة أساتذة، لكلٍّ منهم أسلوبه ورؤيته، فاستفادت منهم جميعاً، مُحاولةً شق طريقها وتحسين أدائها باستمرار، إلى جانب الدراسة الأكاديمية في الدبلوم والماجستير، ولا سيما أنها تُؤمن بامتلاكها المقدرة وقابلية التطور.

1- عازفة العود غيثاء النقري

مَشَارِيعُ خَاصَّةٌ

2- غيثاء النقري مع طلابها

أسست النقري فرقة شآم النسائية، والتي ضمّت مؤديات كورال وعازفاتٍ على الكمنجة والناي وغيرهما، لتكون مشروعها الخاص الأول، تقول عنها في حديثٍ إلى "مُدوّنة الموسيقا": "الشابات والسيدات في الفرقة كنّ موهوبات أكثر منهن أكاديميات، وجدنا دعماً من عدة مراكز ثقافية، وقدمنا عروضاً في مرمريتا واللاذقية ومهرجان صدد، وكان الإقبال الجماهيري على حفلاتنا لافتاً، لكننا بعد ثلاث سنوات، لم نستمر للأسف". وفي السياق ذاته، جرّبت النقري التأليف والكتابة الموسيقية للعود، لكنها فضّلت الاجتهاد في اتجاهاتٍ أخرى، تقول عن هذه الفكرة: "لم يكن الأمر سهلاً، وعلى أية حال اتجهتُ للتعليم في مشروع خاص ثانية، وابتعدت عن الآلة كصولو، لكنني تابعتُ العزف مع النوطة والأغاني الطربية، وما تستوجبه الدراسة".

تَعلِيمُ الأَطفَالِ

علّمت النقري العزف على العود في كلية التربية الموسيقية في حمص، مدة سنة ونصف، وهي معلمة حالياً في معهد إعداد المدرسين، كذلك أنشأت معهدها الخاص "هارموني"، والذي يستقبل الطلاب من مختلف الأعمار، وتعمل من خلاله على تأسيس فرقة أعواد للأطفال، مع الحاجة إلى جهة داعمة، على أن تعزف هذه الفرقة في حديقة أو مكان أثري، بحيث تعمل وفق الظروف المتاحة، وتُقدّم الأطفال الموهوبين للجمهور، تشرح للمدوّنة: "إذا لم يكن الطفل مُحباً للآلة، فلن نصل إلى نتيجة، هذا ما أقوله للأهل دائماً، لأن البعض يُجبرون أطفالهم على آلة معينة، في حين يرغب الطفل بغيرها، كذلك يُفترض أن يُحرز الطفل تطوراً خلال شهرين، أو يتم توجيهه نحو آلة أخرى"، تُضيف أيضاً: "أطلب من الصغار الاستماع إلى عازفي العود الشهيرين نصير شما ومنير بشير، وأُوجههم نحو ما يختصر عليهم زمناً مع الآلة، بالطبع لكل طفلٍ مستواه وشخصيته، ومع الوقت والتجربة سيجد طريقه الخاص مع العود".

3- غيثاء النقري في إحدى مشاركاتها الموسيقية

مِنهَاجٌ لِلعَزفِ

4- عازف العود وسام العلي

أبرز الصعوبات التي واجهت النقري في مشوارها، تتعلق بعدم وجود منهاج محدد لتدريس العود، وهي إشكالية حقيقية يعرفها العازفون على حد تعبيرها، من هنا، استندت إلى خبرتها خلال 18 عاماً من العزف، وما تعلّمته من منهاج الموسيقي اللبناني شربل روحانا، وما تلقته أيضاً من الموسيقيين أصحاب الخبرة في العزف على العود عدنان فتح الله ووسام العلي وكنان ادناوي، فدوّنته وأضافت عليه ووضعت منهاجاً خاصاً بها، قدمته في رسالتها لنيل الماجستير كما أشرنا بداية، وهو يتضمن تمرينات معينة وخطة مدروسة، طبقها طلابها في معهدها، تتحدث عنه: "المنهاج يتطلّب عامين من الدراسة، بحيث تكون النتيجة، موسيقياً صغيراً، يُشبهني عندما بدأت العزف في عمر متأخر نوعاً ما، أي يمتلك مقومات العازف القابل للتطور، كما يُمكن تطبيق هذا المنهاج في معهد إعداد المدرسين، بدلاً عن المنهاج الحالي البسيط، والذي يمكن لطالب مبتدئٍ أن يتقنه".

صَونَاً لِلعُودِ

في الكلام عن ضرورة الاتفاق على منهج أو آلية، أو على الأقل مبادئ أولية، لتعليم العزف على العود، في سبيل صونه، اقترحت النقري أـن يقوم الأكاديميون المختصون وأصحاب الخبرة فتح الله وادناوي والعلي، بوضع منهاجٍ، يُسهّل المهمة على العازفين والهواة، وقالت: "هؤلاء الأساتذة لديهم مؤلفات وفرق موسيقية وتجارب، بمعنى أنهم يمتلكون الأرضية التي تُؤهلهم، أنا تعلّمت منهم جميعاً، من أساليبهم وتدريباتهم، واستفدت كثيراً أثناء عملي على المنهاج، بدءاً من تمارين الريشة، وكيفية حمل العود بشكل صحيح، إلى "سلم دو ما جور" والتعرّف على العلامات الموجودة على زند العود، ثم النوطة والأغاني البسيطة"، وأضافت: "أتمنى أن يكون عندنا بيت للعود أسوةً ببيت العود المصري، وأثق أنه سيُؤسس لأوركسترا عود، كما أرجو تسليط الضوء والاهتمام بالعازفين، بحيث تصل موسيقاهم إلى الناس، وينالون ما يستحقون من متابعةٍ وتقدير".

مَرحَلَةُ الاِحتِرَافِ

الموسيقي وسام العلي، مؤسس وقائد أوركسترا العود صدى، أثنى على سعي العازفة غيثاء النقري، لتطوير أسلوبها باستخدام الريشة الإيقاعية، وقال للمدوّنة: "النقري من العازفات القليلات اللواتي وصلن إلى مرحلة الاحتراف في العزف على العود، اشتغلت على نفسها، وأعطت الآلة ما يلزم من جهد كثيف وسنوات طويلة من التمرين، وهي العازفة الوحيدة معنا في أوركسترا العود التي عدنا لإحيائها مجدداً، قدمنا معاً أول حفل عام 2014، ونأمل أن تُساعدنا الظروف في تقديم برنامجٍ جديدٍ قريباً".