تعطي الآلات الوترية ألحاناً عذبة تمنح الهدوء والسكينة للنفس، وتجذب عاشقها إلى سماعها بتركيز وهدوء وسكينة، ولعل هذا ما جعل من هذه الآلات محط اهتمام الموسيقي والعازف "تمام عودة"، الذي أحبها لدرجة الإتقان ومنحها جلّ وقته وتفكيره، فمنحته التميز والتفرد.

المستمع والعازف

منذ طفولته واظب "عودة" على الاستماع إلى الموسيقا، لكن لم تستهويه فكرة أن يبقى مستمعاً إلى الأبد، وهكذا اتخذ قراره ليكون عازفاً أيضاً، فبدأ تعلم العزف في سنٍّ مبكرة.

يتحدث العازف لـ"مدونة موسيقا" عن بداياته والظروف التي رافقت مسيرته ويقول: : «بدأت من الطفولة الاهتمام بسماع الموسيقا، لكنني لم أكتفِ بالاستماع بل شعرت بالحاجة إلى أن أكون عازفاً أيضاً، أحببت منذ طفولتي آلة الغيتار الكلاسيكي، وفي سن الثانية عشر أخبرت والدي برغبتي بتعلم الموسيقا والعزف، فقام بتسجيلي مع أخي في معهد الشبيبة للموسيقا بدمشق، لأتعلم في البداية العزف مع الأستاذ "أيهم النابوتي" لمدة أربع سنوات، وتابعت تدريبي بعدها مع الأستاذ "همام نابوتي" لمدة سنة، لانتقل للدراسة عند الأستاذ الراحل "مازن الصالح" لمدة سنتين، وفي الفترة التي كنت أدرس فيها آلة الغيتار كانت تجذبني رومانسية المقطوعات الكلاسيكية المعروفة وكنت أستمتع بها كثيراً، لأتعرف من خلالها على آلة الهارب».

العازف تمام عودة
تكريمه من قبل وزير الثقافة عصام خليل

عن كثب

مع آلة الهارب

زاد شغف "تمام" بالموسيقا بعد أن تعرف عليها عن كثب، لذا اتخذ قراره بمتابعة دراستها أكاديمياً، فقرر الالتحاق بالمعهد العالي للموسيقا ومتابعة تعليمه الموسيقي، وعن هذه المرحلة يقول: «قررت متابعة دراستي الموسيقية بشكل أكاديمي، لذا التحقت بالمعهد العالي للموسيقا، وكوني تعرفت على آلة الغيتار في بداية تعليمي، قررت اختيار دراسة آلة جديدة أخرى، فكانت آلة الهارب هي المقصد، خاصة وأنني انجذبت إلى صوتها منذ أن بدأت العزف على آلة الغيتار، فكانت الهارب آلة أساسية إلى جانب الغيتار».

ويضيف: «بدأت بدراسة آلة الهارب مع الدكتور "باسل سارة" رحمه الله، لأدرسها فيما بعد على يد المدرّسة "سفانا بقله"، ولم أكتفِ بتعلم الغيتار الهارب فقط، بل تعلمت خلال الخمس سنوات التي قضيتها في الدراسة، العزف على آلات (البيانو والكلافيسان والأوبوا) كآلات إضافية لكنني لم أحترفها، كما تمت دعوتي عدّة مرات للمشاركة بورشات عمل موسيقية عن طريق "أمريكان فويسس" في لبنان».

بين الغيتار والهارب

تنتمي كل من آلتي الهارب والغيتار إلى فئة الآلات الوترية، ولا فرق بينهما سوى أن آلة الغيتار في متناول اليد أكثر من الهارب وذلك لصغر حجمها.

ويرى "عودة" أن الآلتين تتشابهان في أنهما آلات وترية، ولكن الفرق بينهما أن آلة الهارب تمتلك عدد أوتارٍ أكبر من الغيتار، ولكل آلة جمالية صوت خاصة بها يختلف اختلافاً بسيط عن الآخر، فآلة الهارب تجمع بين النعومة والقوة، ويمكن أن تعزف عليها صوتاً هادئاً همسياً، وفي بعض الأحيان تكون قوية ومليئة بالطاقة كما أنها آلة قديمة ومعاصرة في نفس الوقت.

ويشير "عودة" إلى أن صوت الغيتار الكلاسيكي يتشابه مع آلة الهارب نوعاً ما من ناحية النعومة والرومانسية وبعض القوة، لكن يتميز الغيتار بسهولة اللعب عليه فهو بمتناول اليد أكثر لصغره وخفة وزنه مقارنة بحجم آلة الهارب وثقلها وصعوبة التنقل بها.

المسيرة المهنية

يعيش العازف خلال مسيرته لحظات يخلدها في ذاكرته منذ بدء تعلمه للموسيقا وصولاً إلى الحفلات التي يشارك بها، وهنا يتحدث "عودة" عن هذه المحطات بالقول: «كانت دراستي خلال فترة الحرب، ولكن لم تكن القذائف التي تصل أصواتها إلى مسمعنا أثناء الدروس تثنينا عن متابعة العزف، فقد تابعنا الدراسة والعزف وزدنا إصراراً على متابعة الدراسة والنجاح.. عشت خلال مسيرتي الدراسية في المعهد لحظات هامة ومؤثرة منها تكريمي على المسرح من قبل إدارة المعهد العالي للموسيقا لأكثر من مرة بشهادات تقدير، ولا أنسَ التشجيع الأكبر من قبل والدي الذي كان له الأثر والدافع الأكبر في مواصلة نجاحي، ومن المحطات الجميلة في مسيرتي وكان لها أثراً كبيراً بحياتي الموسيقية، كانت أول حفلة قدمتها أثناء دراستي في المعهد العالي للموسيقا بدمشق، فبعد انتهاء الحفل قام وزير الثقافة السابق "عصام خليل" بتكريمي على المسرح».

ويختم العازف حديث بالقول: «هذه المحطات تركت أثراً جميلاً في مسيرتي، وأتمنى أن أكون قد تركتُ أثراً طيباً لدى أساتذتي وأصدقائي وطلابي الذين درستهم في معهد "صلحي الوادي" ومعاهد خاصة أخرى على مدار عدة سنوات، ولدى طلابي الذين درستهم بعد ذلك في "سلطنة عمان" لمدة ثلاث سنوات قبل أن أسافر إلى "أميركا" لأتابع التدريس ودراسة الدبلوم، وحالياً دراسة الماجيستير في إحدى الجامعات هناك، وخلال دراستي شاركت بالعديد من الحفلات لأوركسترا الجامعة، وقدمت مقطوعات من ألحاني قام طلاب الجامعة بعزفها، والآن أعمل كمساعد قائد أوركسترا الجامعة، ومازال هناك الكثير من المحطات القادمة».