تجربة مختلفة خاض غمارها طلاب قسم الغناء الكلاسيكي "صف مغني الأوبرا الأستاذ فادي عطية" في المعهد العالي للموسيقا، من خلال تقديم أمسية غنائية موسيقية بعنوان "أصوات ملونة" بإشراف أستاذهم، ومرافقة "البيانو" مع الموسيقي أنتوني كنوزي، لتكون الاختبار الأول لهم في الوقوف وجهاً لوجه أمام الجمهور، مؤدين عدداً من أصعب الأعمال الغنائية الأوبرالية العالمية التي تنتمي إلى عصور مختلفة "الباروك، الرومانسي، الحديث، الكلاسيكي".
طبقات صوتية متنوعة
بكثير من الدفء والشغف أقيمت الأمسية في قاعة التدريبات الأوركسترالية في المعهد العالي للموسيقا، حيث سعى الطلاب إلى إظهار أفضل ما لديهم من أداء، أما الجمهور فكان مُنصتاً ومتفاعلاً بحب، واللافت تنوع طبقات الأصوات الغنائية بين "ميتزو سبرانو، سبرانو، آلتو، باريتون".
الطلاب الذين شاركوا في الأمسية من السنوات الثلاث الأولى في المعهد، وهم: "عبير بركات، ماسة شاكر، نور مقلد، آية الشاعر، ليال مقلد، أليسار مسعود، كنان البربرو". وأدوا أعمالاً غنائية بخمس لغات "إيطالي، ألماني، فرنسي، إسباني، روسي".
وجاءت اللوحة على بوستر الأمسية بتوقيع المبدع الدكتور طلال معلا الذي رسمها خصيصاً لهذه المناسبة، أما تصميم البوستر فللفنان التشكيلي نوار سمندر.
حفل مميز
عميد المعهد العالي للموسيقا المايسترو عدنان فتح الله، أكد في حديثه لـ "مدونة الموسيقا" أن الحفل كان مميزاً، وما قُدِّم فيه عبّر عن عنوان الأمسية تماماً "أصوات ملونة"، يقول: «كان لكل طالب خامته الخاصة به، وأسلوبه في الأداء، ومن المفترض أن يطوروا هذه الأدوات في السنوات القادمة، ليصلوا إلى مرحلة الكمال في أداء أي عمل موسيقي».
وعن مستواهم أوضح: «منهم من كان مميزاً بحضوره وأدائه، ومنهم من يحتاج إلى شغل أكثر، وفي النهاية هو حفل طلاب في السنوات "الأولى والثانية والثالثة"، وبالتالي لايزال أمامهم سنوات أخرى من الدراسة والتعب والتمرين».
الخطة الدراسية
حول قسم الغناء الكلاسيكي في المعهد يشير المايسترو عدنان فتح الله إلى أنه من الأقسام المهمة، والسعي دائم إلى تطويره من خلال جميع الوسائل، مؤكداً أن الحفلات التي يقدمها الطلاب تُعتبر واحدة من الأساليب لتطوير أدائهم وكسر حاجز الرهبة من الظهور أمام الناس.
ويتابع: «البرنامج الموسيقي الذي يقومون بتحضيره خلال العام لا يُقدم أمام اللجنة فقط وإنما أمام الجمهور أيضاً. فيختبر الطالب نفسه وأدواته التي يستخدمها لتقديم هذه الموسيقا وليكون مُقنعاً، وهو أمر لا يأتي إلا من خلال التراكم، فحفلات الطلاب جزء لا يتجزأ من الخطة الدراسية في المعهد، وهناك حفلات لجميع الاختصاصات، والهدف وقوفهم على المسرح وهم يمتلكون الأدوات لتأدية أي عمل موسيقي بطريقة مُقنعة، ويوصلونه كما هو إلى الجمهور».
الصوت ولغة الجسد
لم يقتصر أداء الطلاب على الصوت وإنما بدت لغة الجسد واضحة من خلال الأعمال الغنائية التي رافقها تعابير في الوجه وحركة بسيطة تعكس الحالة التي يجسدونها، عن ذلك يقول عميد المعهد العالي للموسيقا: «قدم الطلاب أجزاء من أوبرات عالمية، وهي مشاهد ينبغي لمن يؤديها أن يكون لديه تعبير في الوجه وحركة في الجسد، فاختصاص الأوبرا ليس فقط الغناء، وإنما التعبير عما يُقدم، فهناك أدوات ينبغي عليهم امتلاكها، من ناحية الأداء والتمثيل ليصل العمل إلى الجمهور».
وعن اللغات المتعددة التي يغني بها مغنو الأوبرا، يؤكد أن الطلاب يستمعون إلى هذه الأعمال ويقرؤون الكلمات ويترجموها، كما أن لأساتذتهم دور كبير في إخراج الأحرف وكيف يكون النفس وتوضع الصوت، وهي كلها أمور يتم تدريسها.
حفلات وورشات عمل
كثيراً ما يقيم المعهد حفلات أو ورشات عمل للطلاب سعياً إلى زجهم في الحياة العملية ودعم خبراتهم، ولكن كيف يتم تحقيق هذا الهاجس؟.. يجيب المايسترو عدنان فتح الله: «لدينا خبرات سورية موجودة داخل البلد وخارجه، وعندما يأتينا زوار من خارج سورية نحاول بأقصى ما يمكن الاستفادة من وجودهم، فنقيم ورشات عمل مع الطلاب لمدة يوم أو يومين، وفي مثل هذه الورشات يحاول الضيف إعطاء عصارة خبرته خلال فترة قصيرة».
رحلة الضوء ونشر الفرح
"رحلة الضوء تبدأ، لا فرح يساوي فرحي بكم وبنجاحكم، الغناء أبهى تجليات الفرح، أمضوا إلى الأمام، وانشروا الفرح، هذه البلاد تستحق".. بهذه الكلمات التي خطها مغني الأوبرا الأستاذ فادي عطية على صفحته في الفيسبوك، توجه إلى طلابه مترجماً إحساسه بهم بعد الحفل.
وحول تقييمه لما قدموا، تحدث لـ "مدونة الموسيقا" قائلاً: «أشعر بالرضا عن إطلالتهم الأولى أمام الجمهور، ومما لا شك فيه أنهم لم يقدموا كل ما لديهم، ولكن يمكن أن يكتسبوا في الحفلات القادمة ثقة أكبر أمام الناس ويصلوا إلى نتائج أفضل»، موضحاً أنهم في الحفل اختبروا أيضاً كيف يتلقى الجهور هذا الفن، لأنه فن نخبوي.
مستويات مختلفة
شارك في الأمسية طلاب من السنوات الثلاث الأولى لقسم الغناء الكلاسيكي، فكيف تم التنسيق فيما بينهم وهم مختلفو المستويات والسنوات الدراسية؟.. عن ذلك يقول الأستاذ فادي عطية: «قدموا بالتسلسل وراء بعضهم حسب المستويات، وألوان الصوت، فليس هناك صوت يشبه الآخر وبالتالي ينبغي إعطاء كل صوت ما يليق به، وقدم كل منهم ما ينبغي أن يغنيه في هذه المرحلة من الدراسة وبهذا الصف، وكان الحفل برأي مفصّلاً على مقاسهم».
وعن أهمية التجربة يشير إلى أنه "هكذا يتم بناء المغني"، يقول: «في مرحلة بناء المغني من الداخل ليس المهم فقط أن يأخذ الطالب الدرس في الصف ويقدم الفحص أمام اللجنة، وإنما عليه صعود المسرح ومقابلة الجمهور، ومعرفة كيف يمكن أن يروه، لا بل من المهم أن يرى كل هذه الأعين ترقبه، ولكن رويداً رويداً يكتشف قدرته على الامساك بالمكان والجو وضبط جسده».
تطوير الصوت
حول الشغل على حركة الجسد، يشير إلى أن الحركة أتت بمقدار بسيط، يقول: «لم أسمح لهم في السنوات الثلاث الأولى بأكثر من ذلك، ولكن يمكن أن تظهر الحركة بشكل أكبر قليلاً في السنوات الأخيرة، فحالياً ينبغي أن يشعر الطالب بما يغنيه ولكن من دون مبالغة، وهذا الأمر بحاجة إلى مخرج مسرحي، وقد أعطاهم الأستاذ معتز ملاطلي بعض الملاحظات من خلال ورشة رقصة قصيرة، كما أن الأستاذة كندا حنا أعطتهم بعض التفاصيل من دون أن يشتغلوا "مسرح"».
وفيما يتعلق بانتقاء الأعمال الغنائية الأوبرالية بما يتناسب ومستوى الطلاب وطبقة صوت كل منهم، يقول: «هذا الأمر هو الأصعب في الأوبرا، أي أن ترى ما الأغنية التي يمكن أن تطور هذا الصوت، وما يطور الطالب تسلسل الصعوبة في الأغنية، فهم ثمانية أصوات "هناك طالبة غابت عن الحفل"، أي ينبغي أن يكون لديهم في الفحص ما بين 40 إلى 50 عملاً، وهو أمر صعب ودقيق ويحتاج إلى بحث لتجد أن هذا العمل يمكنه تطوير ذاك الصوت».
الحضور والثقة العالية
الوقفة الثالثة كانت مع طلاب السنتين الثانية والثالثة في قسم الغناء الكلاسيكي "صف الأستاذ فادي عطية" في المعهد العالي للموسيقا، الذين شاركوا في الحفل.
والبداية من "ليال مقلد" طالبة في السنة الثالثة "مغنية سبرانو"، توضح في حديثها إلى "مدونة الموسيقا" أنها قدمت قطعتين، الأولى لهاندل "Ombre pallide" من عصر الباروك، والثانية لدونيزيتي "Prendi, per me sei libero" من العصر الكلاسيكي، وكلتاهما باللغة الإيطالية.
تقول: «كانت هناك تحضيرات طويلة ومتعبة وصعبة لأننا في الغناء نتعامل مع جسم بشري، وبالتالي ليس دائماً هناك طاقة للغناء. نشتغل بشكل دائم مع الأستاذ فادي عطية، وقد اسمعنا الناس جزءاً مما نقدمه في امتحاناتنا في المعهد العالي للموسيقا». وتشير إلى أن الوقوف أمام الجمهور يتطلب الحضور والثقة، «كنت انظر إلى وجوه الحاضرين وأنا كلي ثقة بما جهزناه وقدمناه».
اجتهاد شخصي
"كنان البربور" طالب في السنة الثالثة "مغني باريتون"، يشير إلى أنه يغني القطع الخاصة بطبقة "باريتون" الصوتية، وأنه قدم قطعتين من العصر الرومانسي باللغة الروسية، الأولى "Song of the flea" لموسورسكي، وكان فيها لمسة تراجيدية وهي تحكي بسخرية عن شجع السلطة.
أما القطعة الثانية فكانت لشوبرت "Der Erlkonig"، عنها يقول: «هي من أهم الأعمال التي لحنها شوبرت وتعني "ملاك الموت" وتدور أحداثها بين ثلاث شخصيات "الأب وابنه وشبح الموت"، حيث يأخذ الأب ابنه للغابة ليجد من تعالجه وتشفيه، في حين كان الابن يموت والأب لم يستطع فعل شيء إلى أن فارق الحياة».
حول صعوبة التعامل مع اللغة في المقطوعات الغنائية الأوبرالية، يقول: «دائماً نواجه صعوبة باللغات لأننا نغني بأكثر من لغة "ألماني، روسي، فرنسي، إيطالي، إسباني"، هناك أستاذ يتابعنا في المعهد فيما يتعلق باللغة الإيطالية. ونحاول في اللغات الأخرى الاستعانة بالانترنيت أو بأحد يعرف هذه اللغة، فكثيراً ما يكون الأمر اجتهاداً شخصياً».
تجربة مهمة
"آية الشاعر" طالبة في السنة الثانية "مغنية ميتزو سبرانو"، قدمت قطعتين، الأولى "Deh, per questo istante solo" لموتزارت، من العصر الكلاسيكي باللغة الإيطالية، والثانية "L amour est un oiseau rebelle" من أوبرا "كارمن" لجورج بيزيه، من العصر الرومانسي باللغة الفرنسية.
تقول: «حضرّنا القطع بإشراف الأستاذ فادي عطيه، واشتغلناهم خلال السنة، وفيما يتعلق باللغة فالإيطالية ندرسها في المعهد، وتمثلت الصعوبة في اللغة الفرنسية، لكن هذه الحالة مفيدة بحيث نترجم القطع ونتعلم اللغة إلى جانب التكنيك، لنقدم المقطوعة بأفضل صورة». وتبيّن أن تجربة الغناء بشكل فردي للمرة الأولى كانت مهمة جداً للطلاب لكسر الحاجز مع الجمهور.
"صولو" لأول مرة
"أليسار مسعود" طالبة في السنة الثانية "مغنية سبرانو"، قدمت قطعتين، الأولى "Dove sono" من أوبرا "زواج فيغارو" لموتزارت، من العصر الكلاسيكي باللغة الإيطالية ، والثانية " Zorongo gitano" للوركا من العصر الحديث باللغة الإسبانية. وأكدت في حديثها أن التجربة كانت مختلفة، فهي المرة الأولى التي تغني فيها "صولو"، وحول صعوبة الغناء بعدة لغات لفتت إلى أنه بحكم تعاملها مع القطع الغنائية فهي تعرف نمط كل لغة وكيف تفككها، وبالتالي لم يكن هناك تلك الصعوبة، وعن حركة الجسد في المقطوعة الثانية، تقول: «هي أصلاً رقصة أندلسية اسمها "زورنغو عجري"، وبالتالي كان لا بد من إعطاء حركة تناسبها خلال الغناء». أما رأيها في كيفية الوصول إلى الجمهور فأكدت أنه على المغني أن يكون حاضر الذهن وحاضر الكركتر.
ثقافات أخرى
"دانييلا نور مقلد" طالبة في السنة الثانية "مغنية سبرانو"، قدمت قطعتين، الأولى " Deh! Vieni non tardar" من أوبرا "زواج فيغارو" لموتزارت من العصر الكلاسيكي، والثانية لفيردي "Nell orror di notte oscura" من العصر الرومانسي، وكلتاهما باللغة الإيطالية، وتشير إلى أن جمال الأوبرا يكمن في أنك تطلع من خلالها على ثقافات أخرى.