من منا لم يردد يوماً "مونولوجات" الفنان رفيق سبيعي "1930 - 2017"، من "شرم برم كعب الفنجان" إلى "يا ولد لفلك شال"، "الحب تلت لوان حلو وحامض ولفان".
ومن منا لم يردد تلك المصطلحات الشامية لـ "أبو صياح" الذي استحق بجدارة لقب "فنان الشعب"، مروراً إلى ارتباطه بدمشق وغنائه للشام، وهو ابن "دمشق" والبزورية تحديداً والفنان العاشق لمدينته، الذي يحمل تاريخاً حافلاً في الفن ضمن المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما والغناء.
المونولوج الاجتماعي
برز نجم الفنان "رفيق سبيعي" فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضي في الوقت الذي كان فيه من المعيب لأبناء العائلات الدمشقية العمل بالفن، حتى أنه استخدم اسماً مستعاراً "رفيق سليمان".
أتقن العزف على العود ولم يحترفه، وكان مؤدياً جيداً متقناً لفن النوطة الموسيقية، تميز بأدائه لفن "المونولوج"، هذا الفن الذي سبقه إليه رائد المونولوج المصري "سيد درويش" في عشرينيات القرن الماضي، و"سلامة الأغواني" رائد المونولوج السوري في أوائل الثلاثينات، وكان يحمل في طياته معاني النقد السياسي آنذاك في تعبيره عن مناهضة المستعمر.
"للمونولوج" أشكال متنوعة، ويجمع بين الكوميديا والايقاع السريع، منه الانتقادي والاجتماعي والسياسي، وهو اسم فقط وليس وصفاً لحالة شخص أو مناجاة بينه وبين نفسه. وفي الستينيات أخذ "المونولوج" الذي كان رائده "رفيق سبيعي" منحى اجتماعياً في وقت كانت تميل فيه البلد للاستقرار بعد الاستقلال.
"أبو صياح" يغني
غنى "رفيق سبيعي" المونولوج بشخصية القبضاي "أبو صياح" تلك الشخصية الدمشقية التي نالت حب الناس، متناولاً مظاهر اجتماعية كانت قد بدأت تظهر في تلك الفترة ما جعل المونولوج الذي كان يؤديه جزءاً من التاريخ الاجتماعي لزمنه .
استخدم في ذلك كلمات عامية حتى أنه قام بـ "تدليل" بعض تلك الكلمات مثل: "ليكو ليكو ليكوكة، يا سعدية ليكوكة، صعفص لابس بروكة، بيحكي فرنسي وتروكة"، ضمن مونولوجه "شرم برم كعب الفنجان" الذي انتقد فيه ملابس النساء والرجال في تلك الفترة، حين بات من الصعب التمييز بين ملابس النساء والرجال ويكمل قائلاً: "شرّف سيدي، جنتل ليدي، شورت وميني ومكسي وميدي، بوكرا مطرح ما بتفوت، بتلاقي الرزق ببلاش، ويمكن يغلى ورق التوت، وتوقف مصانع القماش".
مونولوجات ناقدة
كما انتقد الأغاني الدراجة بقوله "هالأغاني الممطوطة، بأيا طريقة ملفوظة"، وهناك "مونولوج" شهير "يا ولد لفلك شال، وتعلم شغل الرجال"، كذلك "يا جالساً عالجسر بدي إحكي"، وفيه يروي خلاف له مع جارته الرداحة على حد تعبيره مشيراً إلى وجوب التعامل بآداب الجوار. ولم يخرج كثيراً عن هذا المضمون في مونولوج "خدلك سيكارة"، أما مونولوج "ست الدار" فتحدث فيه عن أصول التعامل الأسري وكيفية الحفاظ على جسر الدار، وأكد في مونولوج "قعود وتحبك" على آداب وأخلاقيات الرجال.
من مونولوجاته نذكر: "تمام تمام هذا الكلام، يا زالساً عالزسر، شرم برم كعب الفنجان، خدلك سيكارة، الحب تلت لوان، شرم برم كعب الفنجان، صفينا عالحديدة، كل عام يا اهل الخير، شروال أبو صياح، لا تدور عالمال، قعود تحبك، صفر صفر يا بابور".
أغانٍ عن الشام
ساهم في أغاني الأفلام المصرية السورية المشتركة، ومنها: "زحليقة وتلج، ليش هيك صار معنا، الأوتوستوب". كما غنى للمنتخب السوري والرياضة "غول غول فيها غول". وأطلق منتصف عام 2016 أغنية "لا تزعلي يا شام"، التي حملت أمنيته لانتهاء الحرب على سورية، وهي من كلمات الشاعر "سامر غزال" وألحان "سهيل عرفة". وتلّقى العديد من التكريمات، منها في مهرجان كاريكاتور لإحياء المونولوج والأغاني الاجتماعية الناقدة في دار الأوبرا عام 2016.
غنى للشام في تعاونه مع الملحن صديق دمشقي الذي تحدث عن "رفيق سبيعي" قائلاً: "كان فناناً شاملاً، أداء وغناء وعزفاً وتأليفاً لبعض الأغاني والمونولوجات التي قدّمها إلى جانب التمثيل والإخراج، وكان يجيد أداء الألحان بشخصية "أبو صياح" كما الغناء بصوت "رفيق سبيعي"، وهذه حالة مميزة لفنان دراما أن يؤدي ويغني فن "المونولوج" الذي انتهى مع رحيل مبدعيه كالفنان "سلامة الأغواني" وغيره، وآخرهم الفنان "رفيق سبيعي".
تعاون فني مثمر
يشير الملحن "صديق دمشقي" في حديثه لـ "مدونة الموسيقا" إلى أن بداية التعاون الفني بينه وبين الفنان "رفيق سبيعي" كانت عبر أغنية "زينا الشام" كلمات الشاعر الغنائي أحمد نعمان، وتوالت الأعمال عبر أغنية "عنبك يا شام" و"يا طيب من أي بلاد" "ميل يا بردى".
ويكمل حديثه حول التعاون بينهما، ويقول: «قدّم لي الأستاذ "رفيق سبيعي" نص أغنية من كلماته لأقوم بتلحينه بلون غنائي شجن وطني بعنوان "متلك مافي"، وأغنية أخرى بعنوان "وطن مكلل غار" وهي من كلمات الشاعر "عبد الرحمن الحلبي". وكان آخر عمل سجلته للفنان الراحل أغنية "هي هي الشام" كلمات الشاعر الراحل "توفيق عنداني" بلون غنائي شامي حديث نوعاً ما، ومغاير لما قدمته للفنان "رفيق" من ألوان غنائية وضمن شخصية "أبو صياح"، وهذا الأمر كان محط إعجابه، بأن كل لحن كان متناغماً مع الكلام واللحن لشخصية فنان الشعب "أبو صياح" التي ربينا عليها من صغرنا. وكان تركيزي أن أقدم له "أغنية" وليس "مونولوج" لأن "الأغنية" تتطلب الأداء المناسب للكلمة بشخصية "أبو صياح" وهنا كان إبداع الفنان رفيق سبيعي».
وينهي كلامه بالتنويه إلى أن الظروف الصحي للراحل "رفيق سبيعي" لم يسمح له أن يقوم بأداء أغنية كانت قيد التسجيل بعنوان "بدنا ورود بلادي نشم".
تغيير النمط السائد
يتحدث المونولوجست "محمد خير الكيلاني" عن الراحل "رفيق سبيعي" قائلاً: «كان هناك نوع من المونولوجات هو السائد، والذي اتبعه الفنان والزجال "سلامة الأغواني"، بحيث يتم غناء "كوبليه" واحد للمونولوج وسرد بقية الكلمات بطريقة الإلقاء ثم العودة لغناء "الكوبليه" وبعدها سرد الكلمات. ولكن ظهور الفنان "رفيق سبيعي" بشخصية "أبو صياح" بملابسه الشعبية من "شروال ودراعه ووضع السلك على كتفه ووضع الطاقية البيضاء على رأسه"، جاء بديلاً لـ "الطقم" عند الأغواني، فغيّر خارطة غناء "المونولوج" الناقد شكلاً مع تغير مضمون الكلمات، فكان هناك كتّاباً لكلمات ناقدة ومرحة فيها نقد لحالة في المجتمع اعتمد ملحنوها على تلحين "الكوبليه" الأول، وتلحن بقية الكلمات بجملة موسيقية تُغنى، ثم يعود "أبو صياح" ليغني المقدمة، كما في مونولوج "يا ولد لفلك شال" المعروف لدى عامة الناس، وتتالت مونولوجات "أبو صياح" الناقدة والمؤثرة في المجتمع».
ويؤكد المونولوجست "محمد خير الكيلاني" أن هذا النوع من "المونولوجات" الذي ساد في الخمسينيات والستينيات لم يتغير شكله ونمطه، لكنه توقف مع تقدم الفنان "سبيعي" في العمر، وبعد رحيله توقف غناء "المونولوج" الشعبي الناقد، ولم يظهر "مونولوجست" بعده لديه هذا القبول الشعبي.
وينهي كلامه بالقول: «حالة "رفيق سبيعي" أحبها الناس وأثرت فيهم ورددوها في سهراتهم ونزهاتهم وسيارينهم لما تحمله من كلمات خفيفة تم حفظها وغنائها كونها جملة موسيقية سهلة الأداء، لم تعتمد الجملة الموسيقية المعقدة كأغاني الطرب والاستعراض الموسيقي لدى الملحنين».