تم إطلاق مشروع "رباعي شام الوتري" ضمن أمسية موسيقية حملت عنوان "منمنمات شرقية" أقيمت في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق.
وضمت تشكيلة الرباعي الوتري كلاً من الموسيقيين: رشيد هلال "كمان"، زياد عباس "كمان"، مهدي المهدي "فيولا"، محمد نامق "تشيللو". ومن أهم أهداف المشروع الجديد التأكيد أنه يمكن إنجاز "موسيقا حجرة شرقية" بإطار كلاسيكي عالمي.
منمنمات شرقية
قُدِم في الأمسية الموسيقية "منمنمات شرقية" تسع مقطوعات، قام الموسيقي رشيد هلال بتوزيعها كلها عدا اثنتين، هما مقطوعة "Senegurban" جاءت بتوزيع الموسيقي مهدي المهدي، ومقطوعة "كل ده كان ليه" توزيع الموسيقي زياد عباس.
والمقطوعات التي عُزفت هي: "بنت البلد، بلد المحبوب، كل ده ليه" للموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، "تدم، روح" لرشيد هلال، "بونغا يورغو" لجميل بك، "لونغا رياض" لرياض السنباطي، "شروق" لأحمد فؤاد حسن، "Senegurban" من التراث الأذري.
المعادلة الصعبة
مؤسس المشروع الموسيقي "رشيد هلال" أكد أن مشروع "رباعي شام الوتري" كان في ذهنه منذ زمن لأن كل الحضارات والشعوب طورت موسيقاها الشعبية واتبعت هذا التشكيل الغربي الذي له قواعده العلمية، ويكمل قائلاً: «موسيقانا أغنى وأوسع وهناك مجال للشغل عليها بشكل أكبر، في حين أن الموسيقا الغربية بدأت تجتر نفسها، وبات الموسيقيون فيها يفتشون عن "الربع تون" ويحاولون تطوير موسيقاهم وفق هذا المنحى، وبالتالي لماذا لا نبادر ونقوم بذلك طالما أن الموسيقا الشرقية هي موسيقانا».
وعن قيامه بتوزيع غالبية القطع الموسيقية التي عُزِفت في الأمسية، يقول: «التوزيع كان أصعب خطوة واجهتنا، لأن هذا الشكل لم يسبق إنجازه، وبالتالي ليس هناك مثال موجود أمامنا عنه، وكان هناك أمران ينبغي إبرازهما، الأول إظهار الطابع الأكاديمي وما تعلمناه في المعهد العالي للموسيقا من قوانين وقواعد، والثاني ألا نخرج عن إطار جمال الموسيقا العربية التي يحفظها الناس. فعلى سبيل المثال موسيقا "بلد المحبوب" هي نفسها موسيقا مسلسل "حمام الهنا" للفنان دريد لحام، وهي مغروسة في الأذهان، وعندما تقدمها بتوزيع جديد يمس هيكليتها لن يتقبلها الناس، فتحقيق معادلة الأكاديمية والعلمية وأن تكون قريباً من الناس معادلة صعبة جداً، واحتاجت منا الكثير من الجهد والوقت».
ولادة الفكرة
حول كيف ولدت فكرة إنجاز رباعي وتري لتقديم الموسيقا العربية، تحدث الموسيقي "مهدي المهدي" لـ "مدونة الموسيقا" قائلاً: «الرباعي الوتري" تشكيلة كلاسيكية معروفة بما يسمى "موسيقا الحجرة"، ومعظم المؤلفين الكلاسيكيين عبر العصور كتبوا لها الكثير من الأعمال الموسيقية، بمن فيهم " موزارت، هايدن، بتهوفن، شوبرت"، وحتى في العصور المعاصرة وما بعد الحداثة، كلهم أّلفوا لهذا التشكيل "الرباعي الوتري"، ولم يسبق أن قدم أحد موسيقا شرقية أو عربية له، فكان مشروعنا تقديم موسيقا حجرة شرقية بالتشكيل "رباعي وتري».
ويتابع: «فكرة المشروع ولدت فيما بيننا كعازفين متآلفين مع بعضنا البعض، نقوم عادة بالتسجل معاً في الاستديوهات، فكان التساؤل "لماذا لا يكون لدينا رباعي وتري شرقي"، ومن هنا بزغت أولى خيوط المشروع».
التأليف والتوزيع
يشير الموسيقي "مهدي المهدي" إلى أنهم كانوا أشبه بمن يبني البنيان من نقطة الصفر، لأنه ليس هناك أعمال موسيقية عربية للرباعي الوتري، فبات على عاتقهم تأليف وتوزيع أعمال موسيقية له، وبات المشروع "تأليف وتوزيع" إضافة إلى "الأداء والعزف". وضمن هذا الإطار يقول:
«كنا أمام منحيين، الأول البعد الكلاسيكي لهذه التشكيلة، والمنحى الآخر كيفية الابتعاد عن هذه الكلاسيكية مع الحفاظ عليها قدر الإمكان لنضيف الهوية الشرقية للعمل الموسيقي. وهنا يأتي دور التوزيع الموسيقي، وبالتالي هو مشروع يستقطب مؤلفاتنا وتوزيعاتنا، ولدينا خطط أن يكون هناك أعمال لمؤلفين سوريين، وستكون الموسيقا شرقية معاصر لتشكيل الرباعي الوتري».
وعن خطوات عملية التوزيع الموسيقي يوضح أنها تبدأ من التدوين، حيث يتم "تنويط" اللحن الأساسي، ثم يقوم الموزع برسم منهجية أو مخطط حول كيف سينتقل اللحن، أي توزيعه على الآلات، فقد يبدأ من الكمان الأول وبعد المقطع الثاني يعطيه للتشيلو أو للكمان الثاني وهكذا. ويؤكد أن هناك ألحاناً قد تلبق للتشيلو أكثر من الكمان. وبعد أن يحدد الموزع مكان اللحن، يأتي دور تأليف الألحان المرافقة للّحن الأساسي، يقول: «هذه هي عملية التوزيع الموسيقي، وبالتالي يمكن القول أن التوزيع الموسيقي هو تأليف الألحان المرافقة للحن الأساسي، والفارق بينه وبين التأليف الموسيقي أن اللحن الأساسي ليس من تأليف الموزع، وإنما هو أخذ اللحن الأساسي وبنا منه هذا العمل».
حوارات موسيقية
ويتابع الموسيقي "مهدي" كلامه عن مكانة التوزيع الموسيقي وأهميته فيما يقدمون، يقول: «مما لا شك فيه أن عملية التوزيع الموسيقي لـ "موسيقا الحجرة" وفق تشكيل "الرباعي الوتري" تعتبر الأصعب، حتى أن المؤلفين العظماء عبر التاريخ يؤكدون أن الكتابة "للرباعي الوتري" أو "لموسيقا الحجرة" أصعب من الكتابة للبيانو أو للأوركسترا، إذ يقع على عاتق كل عازف "سولو" مسؤولية كونه عازفاً منفرداً على آلته، في حين أن هناك خيارات أكبر في "الأوركسترا"، ولكن في "الرباعي الوتري" ليس هناك آلة رئيسية وأخرى مرافقة، فالآلات كلها رئيسية بشكل أو بآخر، وحتى اللحن المرافق له دور هام».
ويتابع: «قمنا في "رباعي شام الوتري" بإنجاز حوارات موسيقية ضمن اللحن، فتعزفه آلة ويتم إعادته بآلة أخرى تدخل عليه، وهذا الأمر يخضع لعلم تداخل الألحان "كونتر بوان"، وهو علم يتناول تداخل الألحان مع بعضها البعض أفقياً، بمعنى أن يكون اللحن في سلم ما ويدخل عليه اللحن نفسه من سلم آخر". ويشير إلى أن هذا العلم كان موجوداً في العصور القديمة وانتهى مع نهايات عصر الباروك، وبات استخدامه قليلاً جداً، ولكنه يلبق للموسيقا الشرقية حتى أكثر من "الهارموني" الذي هو تناغم الأصوات».
أوركسترا مصغرة
ويشرح آلية العزف ضمن "الرباعي الوتري" لافتاً إلى أنه تشكيل موسيقي غربي، يتألف من "كمان أول، كمان ثانٍ، فيولا، تشيللو". وتم تقديمه وفق هذا الترتيب لأن علماء الفيزياء والصوت درسوا هذا التشكيل عبر العصور ووجدوه مستقراً موسيقياً، فالجمهور يسمع من آلة التشيللو صوت "البيس" المنخفض وصولاً للدور المكتوب لآلة الكمان الأول.
يقول: «هناك آلتي كمان في "الرباعي الوتري"، تعزف الأولى بمدى أعلى من الثانية، فالكمان الأولى يعزف الصوت الحاد، والكمان الثاني الأخفض، ومن ثم الفيولا صوتها أخفض ويأتي التشيللو بصوت أخفض من الجميع. وهذا التدرج هو نفسه في "الأوركسترا"، أي أن "الرباعي الوتري" أوركسترا مصغرة».
موسيقا أزربيجانية
قام الموسيقي "مهدي المهدي" بتوزيع إحدى المقطوعات التي قُدمت في الأمسية، عن خصوصيتها، يقول: «بحثت عن أصول أغنية "فطوم" التي يعرفها الجمهور وسبق أن غناها الفنان دريد لحام في فيلم "صح النوم"، فاكتشف أن لحنها أرمني اسمه "كارون"، ولكن قبل أن يكون لحناً أرمنياً فهو لحن أغنية تراثية أزربيجانية قديمة اسمها "Senegurban"، وهي أغنية نشيطة وحركة وراقصة من مقام النهاوند، فحاولت تقديمها ضمن قالب كلاسيكي ولكن بإطار راقص».
هدف المشروع
وفي حديثه عن أهداف المشروع الذي أطلقوا باكورة أعماله عبر أمسية "منمنمات شرقية"، يقول "مهدي المهدي": «من أهدافنا المستقبلية محاولة إيصال رسالتنا إلى العالم كله، بأنه يمكننا إنجاز موسيقا حجرة شرقية، ونطمح بتقديم هذا المشروع في مختلف البلدان، لنعزف موسيقانا الشرقية الخاصة بنا بحلة كلاسيكية عالمية».
وينهي كلامه بالإشارة إلى بعض الصعوبات التي واجهتهم، يقول: «هناك الكثير من الصعوبات التي واجهتنا، منها أنه في الغناء العربي هناك "العُرب"، والتي تحتاج هنا إلى تنويط، وفيما يتعلق بـ "الزخارف الموسيقية الشرقية" التي عادة ما نعزفها دون تنويط، إلا أنه في "الرباعي الوتري" ينبغي تنويطها لتتوحد بدقة، وكانت الصعوبة كبيرة في كتابتها وتنويطها ومن ثم عزفها وتوحيدها».
الجمهور داعماً ومشجعاً
الموسيقي زياد عباس "عازف كمان" في "رباعي الشام الوتري" تحدث عن الجمهور وحضوره المؤثر، فهو يراه داعماً للمشروع لأنه بات مؤمناً بإمكانية تطوره. وحول تفاعل الحضور مع العزف وكيف يتعاطى العازف معه، يقول: «نمط الأمسية والموسيقا المقدمة والتشكيل لا يتيح فرصة لتفاعل الجمهور إلا ما بين المقطوعات الموسيقية، ومما لا شك فيه أن الموسيقي المؤدي يستمد طاقته على المسرح من الجمهور».
وفيما يتعلق بتوزيعه لأغنية "كل ده كان ليه" للموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، يقول: «حاولت استغلال تشكيل الرباعي الوتري لإظهار جمال الجمل اللحنية بأبسط شكل ممكن، مترافقاً مع بعض التآلفات الهارمونية التي من الممكن أن تساهم في وصول اللحن إلى الجمهور بانطباع جديد».