"العراضة" موكب احتفالي ينظمه أهالي الحي الواحد عند الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية أو الدينية، إذ يجتمع الناس في الموكب ويردد المشاركون فيه مقولات أو أبيات شعر شعبي، تعكس البيئة الشامية بمشاركة آلات موسيقية شعبية مثل "الطبل والمزمار" للتعبير عن الفرح أو الاعتزاز أو المديح لأحد المحتفى بهم. يتخلل الغناء قيام بعض شباب الحارة "من القبضايات" بالمبارزة الودية بالسيوف والخناجر والترس، أو بإظهار مهاراتهم في استخدامها.

المناسبات المرتبطة بالعراضة

تعددت المناسبات التي بعبّر فيها السوريون عن فرحهم بـ "العراضة" مثل الأعراس وعودة الحجاج والأعياد الدينية وليالي رمضان أو عودة أحد الأبناء من السفر أو الولادة بالإضافة إلى المصالحة بين المتناحرين، وليس هناك تاريخ محدد لظهور "العراضة الشامية"، إلا أنها ظهرت في دمشق منذ عدة قرون كموكب احتفالي ينظمه أهالي الحي الواحد عند الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية أو الدينية.

من أهم مناسبات العراضات "عراضة العرس"، وهي قيام فرقة من الفنون الشعبية من الرجال فقط، بمرافقة العريس وأهله وأصدقائه من مكان عرس الرجال، إلى مكان عرس النساء، بالطبل والنحاسيات، وبأهازيج تختلف من منطقة لأخرى، يقودها شخص قوي الصوت، ويردد الحاضرون خلفه ما يقول، ما عدا العريس، الذي يجب أن يبقى صامتاً.

عراضة شامية

قوة الصوت والإشهار

عراضة شامية

الهدف من العراضة المزيد من إشهار الزواج، أي إخبار من لم يحضر العرسين "عرس الرجال وعرس النساء" بأن فلاناً وفلانة صارا زوجين بالحلال، حتى لا يفاجأ أحد برؤيتهما معاً في اليوم التالي. وتحمل الفرقة أدوات موسيقية قوية الصوت، لتحقيق هدف "الإشهار" ولفت الأنظار، لذلك فأهم أدواتها "الطبل والنحاسية وآلات النفخ". وتمتد العراضة حوالي نصف ساعة، أكثر أو أقل، حسب المسافة بين مكاني العروسين.

قد تكون المسافة بين مكان عرس الرجال ومكان عرس النساء شارعاً، وفي هذه الأيام يمكن أن تكون المسافة مجرد الانتقال من طابق في صالة أفراح إلى طابق آخر في نفس الصالة، وبهذه الحالة تسير العراضة ببطء، أو تتم بدون سير، وقوفاً أمام أو داخل مكان عرس الرجال، أو أمام مكان عرس النساء، لتقوم الفرقة التي تحي العرس بعملها الأخير "العراضة"، وتنتهي بدخول العريس إلى عرس النساء، وينتهي عمل فرقة الفنون الشعبية من الرجال.

في منزل الأمير عبد القادر الجزائري حي العمارة عام 1900

مما تتكون فرقة العراضة؟

خالد سلمانية مؤسس ثالث فرقة عراضة في حمص

يبلغ عدد أفراد الفرقة التي تؤدي "العراضة" على الأقل خمسة عشر رجلاً، سبعة على اليمين، وسبعة على اليسار، ورئيس الفرقة صاحب الصوت القوي، الذي يحمل غالباً على الأكتاف. وقد يكون في الفرقة طفلاً أو كهلاً. ويمكن أن تتضمن العراضة فقرة للمبارزة بين شخصين بالسيوف، وفقرة إظهار مهارات اللعب بالسيوف، وفقرة إظهار مهارة اللعب بالعصا "النبوت".

وترتدي الفرق الملابس العربية التقليدية، المؤلف من الشروال "بنطال واسع" والملس "قميص"، والصدرية "سترة بدون أكمام أو بنصف كم"، والشملة والشالة "تلف على الخصر"، والعرقية "غطاء رأس صغير وخفيف أبيض اللون"، والمنطوفة أو الكسرية "أحذية تقليدية حمراء"، والحطاطة أو الشاشية والسمنية الحرير "ما يوضع على الرأس"، والمحارم التي يلوح بها باليدين.

خالد سلمانية مؤسس ثالث فرقة عراضة في حمص
فرقة عراضة

الفرق بين العراضات

فرقة عراضة

لكل منطقة ومدينة مميزات لعراضتها، لا بل إن لكل فرقة مميزات لأدائها للعراضة. وتظهر الفوارق في الملابس، حيث يُستخدم "القصب والزركشات" في مناطق، بينما تميل مناطق أخرى للملابس الجدّية الصارمة. وتظهر الاختلافات في الأدوات الموسيقية، فتكتفي مناطق بالطبل، بينما تبلغ الأدوات في مناطق أخرى أكثر من عشرة أدوات.

وتظهر الفوارق أيضاً في اللهجات، فالجمل التي تُقال في العراضات الشامية فيها مد "مط" لآخر الجملة، عدا عن تميّز اللهجة بمد آخر الحروف، كما تتميز "العراضة الشامية" عراضة مدينة "دمشق" بالملابس الفخمة، وبالعبارات الوصفية، أي التي تصف العريس وأسرته ومكانتهم وأهلهم والعرس والحاضرين والفرح. ولا تستخدم الأغاني الشهيرة كما يفعل أهل "حلب"، ولا العبارات الحربية كما يفعل أهل "حمص".

وتفتح "العراضة الشامية" الخاصة بالعرس، مثل: "ميمتو يا ميمتو.. واطلعي لاقيله.. واركبي رهوانك.. وارقصي مقابيلو"، ومثل:

قبل السلام عليكم

جينا الليلة نهنيكم

عريسنا الزين يا غالي

يا عود أخضر وشيالي

شن كليلة شن كليلة

الله يعينو على هالليلة

من هالليلة صرلو عيلة

ويتباهى بعض الوصّيفة بقدرتهم على الارتجال الذي يُعدّ شرطاً أساسياً في الأداء، فترى الحضور يرددون منذ البداية عبارة التحدي ويقولون: 'أقول القول ما عيدو.. الله حامي عبيدو"، وإن حضور فرقتين للعراضة يضفي على المناسبة أجواءً خاصةً، إذ هنا تحدث منافسة بين الفرقتين، سواء من ناحية الاستعراض بالسيف والترس، أو حتى الاهازيج التي تبدأ عادةً بعبارة: "أبو فلان رد علينا.. مالك تقلان علينا.. أبو فلان مالك صفنان.. سمعنا الصوت الرنان".

المعاني الوطنية في العراضة

شكّلت "العراضة" رسالة هامة في مرحلة تاريخية عاشتها سورية، ففي فترة الاستعمار الفرنسي وحركة المقاومة ضده، حملت العراضة على عاتقها رسائل للمحتل، وهي تجوب الحارات العتيقة.

ومثال ذلك إحدى العبارات التي استُخدِمت "حملتنا ع الشيخ رسلان.. شيخ رسلان يا شيخ رسلان.. يا حامي البر والشام"، وفي المفهوم السائد لدى الدمشقيين وخاصة أصحاب "التيار الصوفي" أن "الشيخ رسلان" المدفون في "دمشق"، هو الذي سيحمي البر الشامي من غزوات المعتدين. وفي مثال آخر: "العراضة الشامية" توصيفه "زينوا المرجة والمرجة لينا.. شامنا فرجة وهي مزينة"، وللمرجة دﻻﻻت تاريخية على المقاومة عند أهل الشام.

المبارزة بالسيف والترس

وفيما يتعلق بالرقصة الفلكلورية ضمن العراضة فلها مفهومها الخاص، وهي تجمع بين الرجولة والاستعراض والفرح، وتعتبر نموذجاً يمثل شكل الحياة في حقبة زمنية معينة، فالسيف والترس والراية والرمح، دﻻﻻت على القوة والمنعة.

ويمكن القول أن المبارزة بالسيف والترس من أهم مظاهر "العراضة الشامية"، وترافقها بعض حركات الرقص بالأيدي والأرجل وضرب الطبول وإضاءة المشاعل والأجواء الحماسية التي تزداد كلما اشتدت المبارزة التي تدل على قيم الرجولة والصمود في ساحات القتال ويتراوح عدد المتبارزين بين "2 - 4" أشخاص تنتهي بالعناق الودي لإدخال الفرحة على قلوب الحاضرين.

العراضة الحلبية

في "حلب" تنتهي الجملة بقطع أو تسكين، دون مد مطلقاً، وتعكس "العراضة الحلبية" حب أهل حلب للغناء وبراعتهم فيه، وانفتاحهم على الغناء العربي من كل الأقطار العربية. حيث تُستخدم أجمل الأغاني الحلبية والعربية، مثل أغنية نجاح سلام "جينا وجينا وجينا جبنا العريس وجينا.. وكرمال عيون الكحلة خلي الدنيا تلاقينا". وأغنية صباح "أهلا بهالطلة أهلا.. أهلا بهالعين الكحلة"، إضافة للأغاني السهلة المناسبة.

وتقوم الفرقة بأداء "الشديات" في "العراضة الحلبية" مثل "جوزناه وخلصنا منو.. عقبال عند الأصغر منو"، ومثال آخر:

عالليمونة والتفاحة

قلبي بحب الصراحة

قلبي بحبك يا عريس

لأنو اللاحة عاللاحة

العراضة الحمصية

تُعد حمص أكثر المدن السورية اهتماماً بالعراضة، وأكثرها استخداماً لها. يقول "خالد سلمانية" مؤسس ثالت فرقة عراضة في حمص: «هناك عراضات للكثير من المناسبات في حمص، للأعراس، واستقبال الحجاج، وللخميسات "خميس المشايخ وخميس الأموات وخميس النبات.."، ولمناسبات كثيرة اجتماعية ودينية ووطنية».

ويضيف: «في حمص الخنجر جزء من "ملابس العراضة"، ومن يؤدون "العراضة" قد يكونون أفراداً من أهل المناسبة وليسوا فرقة محترفة، لكثرة من يتقنونها في حمص، وكلمات العراضات الحمصية كلها رجولة وبطولة وحرب، وتعكس أحداث تعود لمئات السنين، وخاصة ما يتعلق بالاحتلال الأجنبي". ويطرح مثالاً على ذلك:

وإن هلهلتي هلهلنالك

ودزينا البارود قبالك

وإن هلهلتي يا حمصية

الواحد منا يزيح المية

وإن هلهلتي يا خديجة

حطي الفشك بالعلجية

ويشير إلى أن "حمص" ابتكرت "الحروبي"، وهو نوع من العراضة لا تعرفه إلا هذه المدينة، ويسمى "الحروبية الحمصية"، ونصه: "حمص العادية.. فيكي سباع وميماسة.. وخالد سيف الله.. وسيفه حاميكي".

العراضة الحموية

"العراضة الحموية" نسخة عن مثيلتها الشامية، فلكليهما موكب احتفالي يقوم به عدد من الرجال احتفاءً بحدث ما، وليس هناك تاريخ محدد لظهور "العراضة" الحموية أو الشامية, فمنذ عدة قرون كان سكان وأهالي الحي الواحد يحتفلون بمناسباتهم الاجتماعية أو الدينية بالتجمع ضمن الحارة وترديد الأغنيات الشعبية الموروثة المتناسبة مع الحدث المحتفى به، والمعبرة عن البيئة الشامية ويتخلل هذا الغناء قيام بعض شباب الحارة "من القبضايات" بالمبارزة الودية بالسيوف والخناجر كنوع من التحية للشخص المحتفى به.

وفيما يلي أمثلة عما يُقال في "العراضة الحموية":

الله يعينه على هالليلة

من هالليلة صرلو عيلة

وإن هلهلتي هلهلنالك حطينا البارود قبالك

وإن هلهلتي يا حموية واحد منا يقابل مية

يا بنية لاعبيني تحت فيّ الياسمين

وإن غلبتك لاخدنك وإن غلبتيني خديني

"شنّ كليلة.. شنّ كليلة"

يردد أهل حلب ودمشق ومدن أخرى، من الشباب الذين يحيطون بالعريس جملة غير مفهومة أثناء "العراضة"، منها "شنّ كليلة شنّ كليلة.. من ها الليلة صار له عيلة".

ولتفسير معنى الجملة تحدث "عصام سكر" رئيس فرقة عراضة "ياسمين الشام" لـ "مدونة الموسيقا"، قائلاً: «تتعدد تفسيرات الجملة والشائع أنها من اللغة التركية، وأصل القول بالتركي "شان غولة.. شان غولة"، ومعناه بالعربية "الزنبقة سيدة الورد"، ويُقصد بها مدح العروس وليس العريس، وتُقال الجملة بصوت مرتفع عندما يقترب رفاق العريس من بيت العروس ليُسمِّعوا العروس أنها هي سيدة الورد والزنبقة، وأنها أصبحت عائلة اعتباراً من هذه الليلة».

ويضيف: «أميل الى القول أن "شن غليلة" تُعد تشبيهاً للحياة الزوجية بالحرب، حيث تختص كلمة "شن" بالحرب وكلمة "غليلة" جاءت من السلاح الحربي "الغلة" أو "القنبلة"، أي العريس شن حرباً على العزوبية من هذه الليلة، "والله أعلم"».

ومن العبارات التي تتردد في "عراضة العرس" أيضاً، "نير وغضير" التي تبدو وكأنها بلا معنى، ولتفسير الجملة يقول "عصام سكر": «يقول "الشوام القدماء" عبارة "ما بغضر" بمعنى "ما بقدر" أي لا أستطيع، أما "النير" فهو كناية عن "اللجام" الذي يُقاد به الفرس أو الحصان، ويذلك يصبح المعنى المقصود أن "العريس سيقود الحياة الزوجية من هذه اللية"، فهل سيقدر على قيادتها والتغلب على مصاعبها ويكون متوازناً وعادلاً ؟. هذا ما يفسر كلمة عادلاً التي تلي "نير وغضير" في العراضة».